كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: مقدمة)
ولكن منشأ هذا الخطأ أن مذهب الكوفيين فيه تقصير عن معرفة سياسة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسياسة خلفائه الراشدين. وقد ثبت في الصحيح عنه انه قال: ((إن
بني إسرائيل كانت تسوسهم الانبياء، كلما مات نبي قام نبي، وإنه لا نبي بعد!
وسيكون خلفاء يكثرون)) قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ((أوفوا بيعة الاول فالاول
وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم)).
فلما صارت الخلافة في ولد العباس واحتاجوا إ لى سياسة الناس، وتقلد
لهم القضاء من تقلده من فقهاء العراق، ولم يكن ما معهم من العلم كافيا في
السياسة العادلة = احتاجوا حينئذ إ لى وضع ولاية المظالم، وجعلوا ولاية حرب
غير ولاية شرع، وتعاظم الأمر في كثير من امصار المسلمين، حتى صار يقال:
الشرع والسياسة، وهذا يدعو خصمه إ لى الشرع، وهذا يدعو إ لى السياسة، سوغ
حاكما أن يحكم بالشرع والاخر بالسياسة.
والسبب في ذلك: أن الذين انتسبوا إ لى الشرع قصروا في معرفة السنة،
فصارت أمور كثيرة إذا حكموا ضيعوا ا لحقوق وعطلوا ا لحدود، حتى تسفك
الدماء وتؤخذ الاموال وتستباح المحرمات. والذين انتسبوا إ لى السياسة صاروا
يسوسون بنوع من الرأي من غير اعتصام بالكتاب والسنة، وخيرهم الذي يحكم
بلا هوى وتحرى العدل، وكثير منهم يحكمون بالهوى ويحابون القوي ومن
يرشوهم ونحو ذلك.
10