كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: مقدمة)
أولئك في الشريعة وإحداث هؤلاء ما حدثوه من أوضاع سياستهم شعر طويل
وفساد عريض، وتفاقم الامر وتعذر استدراكه.
وأفرطت طائفة أخرى فسوغت منه ما ينافى حكم الله ورسوله، وكلا
الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله. فإن الله أرسل رسله
وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي به قامت السماوات والارض،
فإذا ظهرت أمارات العدل وتبين وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه، والله
تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وعلاماته في شيء، ونفى غيرها من الطروا
التي هي مثلها أو قوى منها، بل بين بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل
وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين.
لا يقال: ((إنها مخالفة له))، فلا تقول: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق
به الشرع، بل موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعا
لمصطلحكم، وإنما هي شرع حق. فقد حبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تهمة، وعاقب
في تهمة؛ لما ظهر أمارات الريبة على المتهم. فمن أطلق كل متهم وخلى سبيله
مع علمه باشتهاره بالفساد في الارض، ونقبه البيوت وكعرة سرقاته، وقال: لا
اخذه إلا بشاهدي عدل = فقوله مخالف للسياسة الشرعية. وكذلك منع النبي - صلى الله عليه وسلم -
الغال من سهمه من الغنيمة، وتحريق ا لخلفاء الراشدين متاعه كله، وكذلك أخذه
شطر مال مانع الزكاة، وكذلك إضعافه الغرم على سارق ما لا يقطع فيه وعقوبته
با لجلد، وكذلك إضعافه الغرم على كاتم الضالة. وكذلك تحريق عمر حانوت
13