كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية - ت العمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وهذا الذي ذكرناه في الرزق والعطاء الذي هو السخاء وبذل المنافع=
نظيره في الصبر والغضب الذي هو الشجاعة ودفع المضار: ان الناس ثلاثة
اقسام: قسم يغضبون لنفوسهم ولربهم، وقسم لا يغضبون لنفوسهم ولا
لربهم، والثالث -وهو الوسط - أن يغضب لربه لا لنفسه كما في
" الصحيحين " (1) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما ضرب رسول الله
"لجر بيده خادما له، ولا امرأة، ولا دابة، ولا شيئا قط الا أن يجاهد في
سبيل الله، ولا نيل منه شيء فانتقم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمات الله، فإذا
انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله تبارك وتعالى ".
فاما من يغضب لنفسه لا لربه، أو ياخذ لنفسه ولا يعطي غيره
1 لم قه 2]، فهذا القسم الرابع شز الخلق لا يصلح بهم دين ولا دنيا.
كما أن الصالحين أرباب السياسة الكاملة، هم الذين قاموا
بالواجبات وتركوا المحرمات، وهم الذين يعطون ما يصلح الدين
بعطائه، ولا ياخذون إلا ما أبيح لهم، ويغضبون لربهم إذا انتهكت
محارمه، ويعفون عن حظوظهم، وهذه أخلاق رسول الله! ير في بذله
ودفعه، وهي أكمل الامور، وكلما كان اليها أقرب كان أفضل.
فليجتهد المسلم في التقرب إليها بجهده، ويستغفر الله تعالى بعد
ذلك من قصور أو تقصير، بعد أن يعرف كمال ما بعث الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم -
من الدين.
__________
(1) بهذا اللفط أخرجه مسلم رقم (2328)، و خرج البخاري رقم (3560) من
حديثها بلفط: (ما خير النبي ع! ح بين أمرين إلا ختار أيسرهما مالم ياثم فإذا
كان الاثم كان ابعدهما منه، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى
تنتهك حرمات الله فينتقم لله).
82

الصفحة 82