كتاب عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

ومعنى هذا: أن من زاول شيئا واعتاده وتمرن عليه صار ملكة له
وسجية وطبيعة.
قالوا: والعوائد تنقل الطبائع؛ فلا يزال العبد يتكلف التصبر حتى
يصير الصبر له سجية، كما أنه لا يزال يتكلف الحلم والوقار والسكينة
والثبات حتى تصير له أخلاقا بمنزلة الطبائع.
قالوا: وقد جعل الله سبحانه في الانسان قوة القبول والتعلم والتهيؤ
للكمال (1)، فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل، غير أن هذا
الانتقال قد يكون ضعيفَا فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث، وقد يكون
قوئا ولكن لم ينتقل الطبع انتقالا تافا (2)، فقد يعود إلى طبعه إذا قوي
الباعث واشتد، وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدب صاحبه طبعا
ثانيا، فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذي انتقل عنه.
وأما الاصطبار فهو أبلغ من التصبر؛ فإنه افتعال للصبر بمنزلة
الاكتساب، فالتصبر مبدأ الاصطبار، كما أن التكسب مقدمة الاكتساب،
فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطبارا.
وأما المصابرة فهي مقاومة الخصم في ميدان الصبر؟ فإنها مفاعلة
تستدعي وقوعها بين اثنين كالمشاتمة والمضاربة، قال تعالى: < يأيقا
ألذلىءامنوا اصبروا وصابروا وراطوا) [ال عمران: 0 20]؛ فأمرهم بالصبر
وهو حال الصابر في نفسه، والمصابرة وهي حاله في التصبر مع خصمه،
والمرابطة وهي الثبات واللزوم والاقامة على التصئر والمصابرة، فقد
(1) قوله: (والتهيؤ للكمال " ليس في (ب).
(2) قوله: "انتقالأ تافا" ليس في (ب).
33

الصفحة 33