كتاب إلى الإسلام من جديد

فهل فقدت الألفاظ على تعاقب الأيام معانيها، أم اعتلت الأذواق، أم استعجمت اللغات، أم ماذا؟
إن شيئا من ذلك لم يقع، ولكن نفسية الانسان تغيرت تغيرا عظيما. كان أمر الدين في الزمان الماضي - برغم جميع أدوائه وعيوبه الخلقية والاجتماعية - جدا غير هزل، وكان أمر الدين يعني كل واحد ويهمه كما تهم الحقائق والأمور الواقعة، وكان في بعض الأحيان حجب من الترف والطبع والرسم وسوء المعرفة وقلة العلم، فاذا ارتفعت هذه الحجب وتطرقت دعوة الدين الى القلوب لم يحل دون التوبة واصلاح الحال شيء.
أما الآن فقد أصبح الدين موضوعا تاريخيا أو حديثا علميا بحتا، وأصبح الحديث عنه في المجتمع العصري كالحديث عن كوكب المريخ وعجائبه وعن القطب الشمالي وأخباره، لا يعود على المتحدث والمستمعين بضرر أو نفع، ولا يطالبهم بعمل أو ترك، ولا يمسهم في صميم مسائلهم، ولا يعني الانسان لا يهمه في حياته الا بمقدار ما يتظرف بمعرفته ودراسته في بعض المجالس، أو ما يحادث به أهله عند الحاجة، أو ما يجلب به نفعا ويدفع به ضرا في مجتمع لا يزال يدين بالدين أو يحترمه، فليس له الا قيمته المادية المؤقتة.

الصفحة 147