كتاب إلى الإسلام من جديد

التاريخ، والذين كانوا يرون الصورة من بعيد يعتقدون أنها الحقيقة، ولذلك يذعرون ويشفقون من قربها، فكانت هذه الصورة الاسلامية كمجدار ينصبه الفلاح في حقله كيلا يحل فيه الطير والوحش، ولا تزال الطيور والوحش تظن أنه انسان، أو حارس، فلا تقربه حتى يتشجع غراب ذكي، أو حيوان جريء فيجد أنه ليس بشيء، هنالك تدخل الطيور والوحش في هذا الحقل وتعيث فيه، وتتلف زرعه، وقد وقع للمسلمين نفس الحادث، لقد حرستهم صورة الاسلام مدة طويلة جدا، فلم تجترئ عليهم أمم العالم، ولم يدر بخلد أحد أن يمتحن هذا الشبح المخيف ويتحققه.
ولكن حتى متى؟ لما أغار التتار على بغداد، افتضح المسلمون وظهر افلاسهم في الروح والقوة المعنوية، من ذلك الحين أصبحت الصورة عاجزة عن أن تحافظ عليهم، وتذود عنهم المكروه وتدفع عنهم غارات الامم، فان الصورة لا تقوم الا على الجهل والغرور، فاذا انكشف الغطاء وزاح الستار، تبين الصبح لذي عينين. وان ما نرى ونقرأ في تاريخ الاسلام من أخبار انكسار المسلمين وهزيمتهم في ميادين القتال، ان كل ذلك أخبار انخذال الصورة وفضيحتها لا غير، وقد فضحتنا الصورة في كل معركة وحرب ومقاومة واصطدام، ولكن الذنب علينا، حملنا الحقيقة على ظهر الصورة، فلم تستطع حمله ولم تمسكه، وعقدنا الآمال الكبار بالصورة الضعيفة فخيبت رجاءنا، وكذبت أمانينا، وخذلتنا في الميدان.
تكرر الصراع بين صورة الاسلام وشعوب العالم وجنودها، وفي كل مرة تنخذل وتنهزم الصورة، ويعتقد

الصفحة 86