كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وسهولة الكلام بحذف ما لا فائدة لذكره مع وجود ما دل عليه وسد مسده؛ إذ من المعلوم ضرورة إذا قلت: زيد خلفك، أو زيد في الدار أن نفس الخلف ونفس في الدار ليس شيء منهما صادقا على المبتدأ، والمبتدأ لا بد له من الخبر، وحرف الجر المذكور والحرف المقدر مع الظرف دالان على الاستقرار والحصول كما عرفت، فكان ذكر الظرف والمجرور اللذين هما متعلقا الخبر دالين على الخبر المحذوف دلالة قطعية مغنيين عنه من حيث أن الذي تعلقا به كون عام، ولهذا إذا كان المتعلق به كونا خاصّا وجب ذكره، قال أبو علي: «إظهار عامل الظّرف شريعة منسوخة» (¬1). ثم ليس هذا الحكم مختصّا بالظرف والمجرور الواقعين خبرين، بل حكم كل منهما [1/ 367] إذا وقع حالا أو صلة أو صفة فيما ذكر حكمه إذا وقع خبرا.
وأما قول المصنف: وربّما اجتمعا لفظا فأشار به إلى البيت الذي أنشده، وهو:
641 م - لك العزّ إن مولاك عزّ وإن يهن ... فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (¬2)
وقد جعلوا من هذا الباب وذكره الشيخ قوله تعالى: فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ (¬3)، قالوا: فمستقرّا حال، ولو لم يكن لكان عنده حالا والعامل فيها محذوف، قالوا: وقد ظهر العامل في هذا، وهو اسم فاعل لا فعل كما ظهر اسم فاعل في البيت المتقدم الإنشاد.
ونقل ابن يعيش شارح المفصل عن ابن جني جواز إظهاره (¬4)، ثم قال: «والقول -
¬__________
(¬1) قال في الهمع: (1/ 99): ذهب الفارسي وابن جني إلى أن الظرف حقيقة وأن العامل صار نسيا منسيّا.
(¬2) سبق ذكره قريبا.
(¬3) سورة النمل: 40، وانظر ما ذكره في التذييل والتكميل (4/ 58) وفي البحر المحيط: (7/ 77) قال أبو حيان: «انتصب مستقرّا على الحال وعنده معمول له، والظّرف إذا وقع في موضع الحال كان العامل فيه واجب الحذف، قال ابن عطيّة: وظهر العامل في الظّرف من قوله مُسْتَقِرًّا وهذا المقدّر أبدا في كل ظرف وقع في موضع الحال، وقال أبو البقاء: مستقرّا أي ثابتا غير متقلقل، وليس بمعنى الحضور المطلق؛ إذ لو كان كذلك لم يذكر» انتهى.
قال أبو حيان: «فأحدث في مستقرّا أمرا زائدا على الاستقرار المطلق وهو كونه غير متقلقل حتى يكون مدلوله غير مدلول الضّدية، وهو توجيه حسن لذكر العامل في الظرف الواقع حالا».
وفي شرح الكافية للرضي: (1/ 93): «وأما قوله تعالى: فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ فمعناه ساكنا غير متحرّك وليس بمعنى كائنا» وسيذكره الشارح بعد.
(¬4) انظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 90).

الصفحة 1005