كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المقدر الذي حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، وكذا قوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (¬1) التقدير: زمن
حمله وفصاله، وإذا كان كذلك فلم يقع الإخبار في الآيتين الشريفتين بظرف إنما وقع باسم ليس بظرف. وفي الحقيقة أن الإخبار في قوله تعالى:
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (¬2) وفي: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً بزمان عن زمان، فيكون ذلك نظير الإخبار بقائم عن زيد في قولنا: زيد قائم؛ إذ الخبر في ذلك كله هو نفس المبتدأ لا غيره (¬3). ومقتضى كلام المصنف أن الحج واقع في الأشهر، وأن الحمل والفصال واقعان في ثلاثين شهرا، ولا يظهر أن هذا هو المراد، بل الظاهر أن المراد الإخبار بأن زمن الحج هو هذه الأشهر، وأن زمن الحمل والفصال هو هذه المدة المذكورة.
وأما قوله تعالى: غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ (¬4) فالظاهر أنه ليس من هذا الباب؛ لأن الغدوّ والرواح ليسا واقعين في الشهر المذكور كما يقع الحج في الأشهر ولا كما يقع الحمل والفصال في الثلاثين شهرا، بل المعنى أنها تقطع في غدوها مسافة شهر وكذا في رواحها، وإذا كان كذلك فيكون التقدير: مسافة مسير غدوها قدر مسافة مسير شهر، وكذا مسافة مسير رواحها قدر مسافة مسير شهر، ثم حصل الحذف وإقامة ما أضيف إليه المحذوف مقامه.
البحث الثاني:
قال الشيخ - كالمستدرك على المصنف -: «إنّ ظرف الزمان كما يقع خبرا عن الجثة وعن [1/ 372] المصدر يقع خبرا لزمان أيضا» قال: «فإن كان على قدر المبتدأ فالرفع فقط تقول: زمان خروجك السّاعة، وإن كان أعمّ جاز الرفع والنصب، تقول:
زمان خروجك يوم الجمعة، فيوم الجمعة بالنصب حقيقة ويوم بالرفع مجاز يجعل الخروج طويلا قد استغرق اليوم أجمع، هذا في غير أيام الأسبوع» انتهى (¬5). -
¬__________
(¬1) سورة الأحقاف: 15.
(¬2) سورة البقرة: 197.
(¬3) حمل ناظر الجيش على ابن مالك في هذا، وليس له الحق فيه، وذلك لأن المجاز بالحذف كثير في اللغة العربية، وبخاصة في مثل هذا الكلام البليغ، ولو لم يقدره ناظر الجيش ويشر إليه لفهم. وبعد أن كتبت هذا الكلام وجدت على هامش نسخة الأصل ما يأتي: «قد يقال: إنه مجاز علاقته الحالية والمحلية، ولكونه مسموعا شائعا ألحق بالحقيقة فاستغني عن التأويل والتّقدير».
(¬4) سورةسبأ: 12.
(¬5) التذييل والتكميل (4/ 62، 63) وهو بنصه.

الصفحة 1015