كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما تعين النصب على الظرفية في أنت مني فرسخين؛ لأن قوله: أنت مني مبتدأ وخبر، أي أنت من أشياعي، بخلاف أنت مني فرسخان وأنت تريد بعدك مني؛ فإن مني متعلق بذلك المقدر المحذوف وليس في موضع الخبر، وإنما الخبر فرسخان؛ فمن رفع فالتقدير: بعد مكانك مني فرسخان، ومن نصب فعلى الظرف وهو في موضع
الخبر، وانتصاب فرسخين في أنت مني فرسخين بالخبر الذي يتعلق به مني، أي أنت تابع من أتباعي في فرسخين أي في سيرنا فرسخين.
قال الشيخ (¬1): «وظاهر كلام المصنف أنّ فرسخين منصوب بذلك الّذي قدّره وهو ما سرنا فرسخين، وليس بجيّد؛ لأن ما سرنا: ما فيه مصدرية ظرفية، وسرنا صلة ما، وفرسخين معمول لصلة ما، ولا يجوز حذف الموصول والصلة وإبقاء معمولها».
وقال سيبويه (¬2): «أنت مني فرسخين تقديره: أنت منّي ما دمت تسير فرسخين».
قال الشيخ: «وهو شبيه بتقدير المصنّف؛ إلا أن سيبويه جعل صلة ما دام النّاقصة، وحذف ما ودام وخبرها وأبقى معمول الخبر، فهو أبعد من تقدير المصنف.
وقد رد أحمد بن يحيى (¬3) على سيبويه قوله، فقال (¬4): ليس على هذا الإضمار دليل ولا يدعو إليه [1/ 375] اضطرار، ولا ينبغي أن يطلب الإضمار إذا قام الكلام الظّاهر بنفسه». والذي ينبغي أن يخرّج عليه كلام سيبويه وتقديره - أنه تفسير معنى لا تفسير إعراب؛ لأنه إذا كان تابعا من أتباعه في فرسخين دلّ على أنه لا يكون تابعه في أكثر منها، فهذا معنى قول سيبويه: ما دمت تسير فرسخين، وإذا كان تفسير معنى بطل ردّ ابن يحيى.
¬__________
(¬1) هو أبو حيان، وانظر التذييل والتكميل (4/ 72) وقد نقل منه الشارح هذا الموضع إلى آخر شرحه.
(¬2) الكتاب: (1/ 417) ونصه: «وتقول: أنت مني فرسخين أي أنت مني ما دمنا نسير فرسخين، فيكون ظرفا كما كان ما قبله مما شبّه بالمكان».
(¬3) يقصد به أبا العباس ثعلبا شيخ الطبقة الخامسة من الكوفيين ولد سنة (200 هـ)، عني بالنحو أكثر من غيره، فحفظ كتب الفراء كما حفظ كثيرا من الشعر والمعاني والغريب، لزم ابن الإعرابي وسمع من محمد بن سلام الجمحي حتى فاق أصحابه، وروى عنه اليزيدي ونفطويه وأبو عمر الزاهد، جاءت له بشرى من النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه صاحب العلم المستطيل وهو علم النحو.
له مجالس ثعلب وهو مطبوع مشهور (دار المعارف) كما صنف: فصيح ثعلب، والمصون في النحو، والأمالي، وغريب القرآن. توفي سنة (291 هـ).
ترجمته في: بغية الوعاة (1/ 356).
(¬4) التذييل والتكميل (4/ 73).

الصفحة 1021