كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 4)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فحكم بأن «أهجوتها أم بلت» بمنزلة «ما ذهب الليالي» واقتضى هذا أن «أهجوتها» مؤول باسم هو الفاعل، كما أن «ما ذهب الليالي» كذلك، وحينئذ يحصل إشكال؛ لأنه ليس معنا حرف مصدري ينسبك منه ومما بعده اسم يكون هو الفاعل، حتى جعل الشيخ أن هذا من المصنف يدل على موافقته القائلين بأن الفاعل يصح أن يكون فعلا، والظاهر أن المصنف لم يعرج على شيء من ذلك، ولا يجيز أن يكون الفاعل غير اسم وإنما حكم المصنف على «أهجوتها» بما حكم به على «ما ذهب الليالي» من أجل أن الهمزة فيه للتسوية كما هي بعد ما أبالي، ولا شك أن المصدر يصح حلوله محل الجملة الواقعة بعد الهمزة المذكورة كما في قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (¬1)؛ إذ المعنى سواء عليهم الإنذار وعدمه [2/ 227] وكذلك إذا قلت: ما أبالي أذهب زيد أم مكث، المعنى:
ما أبالي بذهاب زيد ومكثه (¬2)، وكذا المعنى في البيت: ما ضرّ تغلب وائل هجوك إياها وبولك؛ إذ المعنى استواء الأمرين عندهما، فكما أن قوله: حيث تلاطم البحران لا يضرها، كذلك هجوه إياها لا يضرها أيضا (¬3).
أما المسألة التي أشار إليها الشيخ فلم تجر للمصنف ببال، غير أن المنقول أن من النحاة من يجيز ذلك، قال ابن عصفور بعد أن ذكر أن الفاعل لا يكون إلا اسما:
هذا مذهب الفارسي والمبرد وجمهور البصريين؛ لأن وقوع الجملة عندهم في موضع الفاعل غير سائغ، وهو الصحيح (¬4).
وذهب جماعة من الكوفيين منهم هشام وأحمد بن يحيى إلى أن وقوعها في -
¬__________
- والخزانة (2/ 501) عرضا، والحيوان للجاحظ (1/ 13)، والبيان والتبيين (3/ 248). وديوان الفرزدق (ص 882).
والشاهد قوله: «ما ضر تغلب وائل أهجوتها أم بلت»؛ حيث جاء الفاعل مصدر مؤولا بلا سابك لوقوع الجملة بعد همزة التسوية، والتقدير: ما
ضر تغلب وائل هجوك إيّاها وبولك حيث تلاطم البحران.
(¬1) سورة البقرة: 6.
(¬2) ينظر: الكتاب (3/ 170).
(¬3) ينظر: الأمالي الشجرية (1/ 266).
(¬4) لم يصرح ابن عصفور في المقرب ولا في شرح الجمل بنسبة هذا القول إلى الفارسي والمبرد وجمهور البصريين كما قال الشارح هنا، وربما يكون قد قال هذا في كتاب آخر يقول ابن عصفور في المقرب (1/ 53):
«الفاعل هو اسم أو ما في تقديره متقدم عليه ما أسند إليه لفظا أو نيّة على طريقة فعل أو فاعل».
ويقول في شرح الجمل (1/ 157) - طبعة العراق -: «الفاعل هو كل اسم أو ما هو في تقديره أسند -
الصفحة 1575
5696