كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
موضع الفاعل سائغ وأجازوا: يعجبني يقوم زيد، وظهر لي أقام زيد أم عمرو، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (¬1)، ففاعل بَدا عندهم الجملة التي هي لَيَسْجُنُنَّهُ.
وبقول الشاعر:
1197 - وما راعني إلّا يسير بشرطة ... وعهدي به قينا يغشّ يكير (¬2)
ففاعل راع عندهم الجملة التي هي: يسير بشرطة (¬3)، وذهب الفراء وجماعة من النحويين إلى أن وقوع الجملة في موضع الفاعل لا يسوغ إلا أن يكون في موضع فاعل فعل من أفعال القلوب ويكون الفعل إذ ذاك علق عليها، فأجاز أن يقال: ظهر لي أقام زيد أم عمرو، ولم يجيزوا: يعجبني يقوم زيد، فإن جاء عندهم ما ظاهره ذلك تأولوه (¬4)، وقد نسب هذا القول إلى سيبويه (¬5)، والصحيح أن وقوع الجملة -
¬__________
- إليه فعل أو ما جرى مجراه وقدم عليه على طريقة فعل أو فاعل - ثم قال: فالفاعل إذن لا يكون إلا اسما، و «أنّ»، و «أن»، و «ما» مع ما بعدهن، خلافا لمن أجاز أن يكون الفاعل فعلا، واحتج بقوله تعالى:
ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ وهذا لا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون فاعل بَدا ضمير المصدر الدال عليه وهو البداء، كأنه قال: ثم بدا لهم هو، أي: البداء» اه.
من هذا النص الثاني يتضح لنا عدم تصريح ابن عصفور بنسبة هذا القول إلى الفارسي والمبرد والبصريين، وربما يكون الشارح قد قال ذلك على قول ابن عصفور: خلافا لمن أجاز أن يكون الفاعل فعلا؛ لأن هذا رأي الكوفيين ومن تبعهم.
(¬1) سورة يوسف: 35.
(¬2) البيت من الطويل وهو لمعاوية الأسدي، وهو في: الخصائص (2/ 434)، والتذييل (2/ 1116)، والخزانة (2/ 442)، والعيني (4/ 400)، وابن يعيش (4/ 27)، والمغني (2/ 428)، وشرح شواهده (2/ 840)، وحاشية الخضري (1/ 159).
والشاهد قوله: «وما راعني إلا يسير»؛ حيث وقع الفعل في الظاهر مسندا لفعل آخر وهو «يسير» وقد أوله النحويون على تقدير «أن».
(¬3) ينظر التذييل (2/ 1116)، والمغني (2/ 428).
(¬4) ينظر الارتشاف (621)، والمغني (2/ 428)، والتصريح (1/ 268).
(¬5) في الكتاب (3/ 110): «وقال: أظن لتسبقنّني، وأظن ليقومنّ؛ لأنه بمنزلة «علمت» وقال عزّ وجل:
ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ؛ لأنه موضع ابتداء ألا ترى أنك لو قلت: بدا لهم أيّهم أفضل، لحسن كحسنه في علمت، كأنك قلت: ظهر لهم أهذا أفضل أم هذا» اه. وقد ذكر الأستاذ هارون في هامش (3) من الصفحة نفسها أنه قد جاء في نسختين أخريين من نسخ الكتاب زيادة بعد بدا فقال: «بعده في كل من (أ، ب): بدا لهم فعل، والفعل لا يخلو من فاعل، ومعناه عند النحويين أجمعين: بدا لهم بدوّ قالوا: ليسجننه، وإنما أضمروا البدو؛ لأنه مصدر يدل عليه قوله: بدا لهم، -

الصفحة 1576