كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
موقع الفاعل لا يسوغ بدليل أنه لا يوجد في كلامهم: يعجبني يقوم زيد، ولا صح:
أقام زيد أم لم يقم، يريد: يعجبني قيام زيد، وصح ما كان من قيام زيد أو عدمه، وما استدلوا به مؤول. أما فاعل بَدا من قوله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ (¬1) فقال أبو عثمان: هو مضمر في الفعل، المعنى: ثم بدا لهم بداء؛ فأضمر الفاعل لدلالة فعله عليه، وجاز هذا وحسن وإن لم يحسن أن يقول: ظهر لي ظهور، وعلن لي علن؛ لأن البداء والبدء قد استعملا على غير معنى المصدر.
قالوا: بدا لهم بدء، أي: ظهر لهم رأي (¬2)، ويدل على ذلك قول الشاعر:
1198 - لعلّك والموعود حقّ لقاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء (¬3)
والجملة التي هي لَيَسْجُنُنَّهُ (¬4) تحتمل ثلاثة أوجه:
1 - أن تكون في موضع مفعول لقول مضمر والتقدير: قالوا: ليسجننه، قاله أبو عثمان وذهب إليه المبرد.
2 - وأن تكون مفسرة لذلك الضمير المستتر في بَدا ولا موضع لها من الإعراب (¬5).
3 - أن تكون جوابا للجملة التي هي بَدا لَهُمْ؛ لأن بَدا من أفعال القلوب، وأفعال القلوب تجريها العرب مجرى القسم فتلقاها بما [2/ 228] يتلقى به القسم (¬6)، ومثل هذه الآية الشريفة قوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ -
¬__________
- وأضمر كما قال تعالى جده: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ولا يكون ليسجننه بدلا من الفاعل؛ لأنه جملة والفاعل لا
يكون جملة» اه.
وأعتقد أن ما جاء في هذا النص يبطل ما نسب سيبويه من أنه يجيز وقوع الجملة في موضع الفاعل إلا إذا كان فاعل فعل من أفعال القلوب.
(¬1) سورة يوسف: 35.
(¬2) ينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 53)، والأمالي الشجرية (1/ 305، 306)، والكشاف (1/ 387، 388).
(¬3) البيت من الطويل وهو لمحمد بن بشير، وهو في: الأغاني (14/ 151)، والخصائص (1/ 340)، والأمالي الشجرية (1/ 306)، والمغني (2/ 388)، وشرح شواهده (2/ 810)، وشذور الذهب (ص 216)، والخزانة (4/ 37)، والتصريح (1/ 286)، والهمع (1/ 247)، والدرر (1/ 204)، وحاشية الخضري (1/ 159)، وحاشية الصبان (2/ 43).
والشاهد قوله: «بدا لك بداء»؛ حيث أسند الفعل إلى مصدر.
(¬4) سورة يوسف: 35.
(¬5) ينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 53)، وحاشية الصبان (2/ 43)، والتصريح (1/ 268).
(¬6) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 157) طبعة العراق، والمغني (3/ 400، 401).

الصفحة 1577