كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 4)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إهلاكنا، ومن الإسناد إلى مدلول عليه قوله تعالى: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها (¬1)، ففاعل أَخْرَجَ ضمير الواقع في البحر الموصوف ولم يجر له ذكر؛ لأن سياق الكلام يدل عليه (¬2)، ومثله قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (¬3).
ففاعل يشرب غير مذكور لكنه مفهوم كأنه قيل: ولا يشرب الخمر شاربها، وقد يغني عن الفاعل استحضاره في
الذهن بذكر فعل ناصب لما لا يصلح إلا له (¬4)، كقول الشاعرة (¬5):
1250 - لقد علم الضّيف والمرملون ... إذا اغبرّ أفق وهبّت شمالا (¬6)
فأغنى عن إظهار الريح استحضارها في الذهن بـ «هبت» ونصبه «شمالا» على الحال فكان ذلك بمنزلة التصريح بالريح [2/ 241] ومثله قول الآخر:
1251 - وأكرم الضّيف والجار القريب إذا ... هبّت شآميّة واشتدّت القرر (¬7)
فنصب شآمية وأضمر الريح وإلى هذه المواضع ونحوها أشرت بقولي: ويرفع توهم الحذف إن خفي الفاعل جعله مصدرا منويّا أو نحو ذلك. انتهى كلام المصنف -
¬__________
(¬1) سورة النور: 40.
(¬2) ينظر: الكشاف (2/ 96).
(¬3) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الحدود (8/ 157، 159)، وكتاب المظالم (3/ 136)، ومسلم في كتاب الإيمان (76، 77)، والترمذي في كتاب الإيمان (5/ 15)، وابن حنبل (2/ 243، 317، 376، 479)، (3/ 346)، (4/ 353)، (6/ 139).
(¬4) ينظر: الهمع (1/ 160)، والتصريح (1/ 271)، والبهجة المرضية (ص 46).
(¬5) هي جنوب بنت العجلان بن عامر الهذلية ترثي أخاها عمرا.
(¬6) البيت من المتقارب وهو في: الإنصاف (1/ 206)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 90) والتذييل (2/ 1181)، والعيني (2/ 82)، وزهر الآداب للحصري (ص 795)، وشذور الذهب (ص 291)، والخزانة (4/ 353).
والشاهد قوله: «وهبت شمالا»؛ حيث عاد الضمير على مستحضر في الذهن وهو الريح؛ لدلالة «هبت» الناصب «شمالا» على الحالية.
(¬7) البيت وهو من بحر المضارع في التذييل (2/ 1181).
والشاهد فيه قوله: «هبت شآمية»؛ حيث عاد الضمير على مستحضر في الذهن وهو الريح كما مر في البيت السابق.