كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 4)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والعلة في ذلك عندهم أن حرف الجر المحذوف هنا مراد، ولو ظهر لم يجز إلا إقامة المصرح فكذلك إذا كان مرادا؛ لأن القاعدة أن المحذوف المنوي كالملفوظ به (¬1)، قال الشيخ: والذي قاله أصحابنا - يعني المغاربة - هو مذهب الجمهور (¬2). انتهى.
ولا شك أن الكوفيين يجيزون إقامة غير المفعول به مع وجوده، فلا جرم أنهم يجيزون إقامة المنصوب لسقوط الجار مع وجود المنصوب بنفس الفعل، بل إذا كانوا يجيزون إقامة ما تعدى إليه الفعل بحرف ملفوظ به مع وجود المفعول الصريح فإجازتهم إقامته بعد حذف الجر أولى، والمصنف قد صرح بأنه مذهب الكوفيين والأخفش، وصرح بوفاقه لهم في ذلك فلا يرد عليه بأن مذهب الجمهور بخلاف ما ذكره، وأجاز ابن أبي الربيع: أمر الخير زيدا، لكن على القلب.
وأما المسألة الأولى: فهي التي تعرض المصنف لشرحها فقال: وأجاز الأخفش والكوفيون نيابة غير المفعول به مع وجوده وبقولهم أقول؛ إذ لا مانع من ذلك مع أنه وارد عن العرب ومنه قراءة أبي جعفر: ليجزى قوما بما كانوا يكسبون (¬3) فأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل وترك «قوما» منصوبا وهو مفعول به ومثل هذه القراءة قول الشاعر:
1264 - ولو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسبّ بذلك الجرو الكلابا (¬4)
-
¬__________
- والمقتضب (4/ 330)، والإفصاح للفارقي (ص 287)، ومجالس العلماء للزجاجي (ص 193)، والأمالي الشجرية (1/ 186، 364)، والتذييل (2/ 1200)، وابن يعيش (5/ 123)، (8/ 50، 51)، والخزانة (3/ 672)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 538) طبعة العراق، والهمع (1/ 162)، والدرر (1/ 143)، وديوانه (ص 516)، وأصول النحو لابن السراج (1/ 215).
والشاهد قوله: «اختير الرجال»؛ حيث روي بنصب الرجال فدلّ ذلك على أنه أقام ضمير المفعول الذي تعدى إليه الفعل بنفسه - أو كما يقول المغاربة: المصرح لفظا وتقديرا - مقام الفاعل وجعله نائبا عنه.
(¬1) ينظر: المقرب (1/ 81)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 538) فهو من المغاربة الذين يجعلون للفعل مفعولين أحدهما: مصرح لفظا وتقديرا، والآخر: مصرح لفظا لا تقديرا، ويسمى المفعول الثاني أي المصرح لفظا لا تقديرا «مقيدا».
(¬2) التذييل (2/ 1200).
(¬3) سورة الجاثية: 14، وتنظر هذه القراءة في: الإتحاف (ص 390)، والحجة لابن خالويه (ص 325).
(¬4) البيت من الوافر وهو لجرير من قصيدة يهجو بها الفرزدق، وهو في الخصائص (1/ 397) والأمالي الشجرية (2/ 215)، وابن يعيش (7/ 75)، والتذييل (2/ 1201)، وشرح المقدمة النحوية لابن بابشاذ (ص 333) رسالة بجامعة القاهرة، وشرح الجمل لابن بابشاذ تحقيق د/ مصطفى إمام (1/ 155)، والخزانة (1/ 163)، والهمع (1/ 162)، والدرر (1/ 144)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 537)،