كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 4)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والظرفين لا يجوز إقامتها مقام الفاعل، إلا بعد جعلها مفعولات على السعة (¬1)، وهذا مجاز والمفعول به المصرح مستغن عن ذلك فكانت إقامته واجبة دون إقامة ما يحتاج إلى هذا المجاز ثم قال: والجواب عن استدلال الكوفيين أن يقال: أما «نجّي المؤمنين» فلا نسلم أن «نجّي» مبني للمفعول بل أصله: (ننجي) فأدغم النون في الجيم، ولو كان مبنيّا للمفعول لكان فعلا ماضيا، فكانت الياء تكون مفتوحة، وحيث لم تفتح الياء، دل ذلك على كونه مضارعا مبنيّا للفاعل (¬2)، وقد ضعّف هذا التخريج بأنه لا يتصور في قراءة من قرأ (نجّي) بفتح الياء، قالوا: إنما «نجّي» مسند إلى ضمير النجاة، وينتصب «المؤمنين» على إضمار فعل أي: ننجي المؤمنين (¬3).
وأما «ليجزى قوما» ففيه تخريجان:
أحدهما: أن المسند إليه ضمير المصدر الذي هو الجزاء كما قالوا في «نجّي» و «قوما» منصوب بمقدّر أي: يجزي قوما.
ثانيهما: أن المسند إليه المفعول الثاني؛ لأن جزيت يتعدى إلى مفعولين، تقول:
جزيت زيد خيرا وجزيته شرّا (¬4)، وأما قول الشاعر:
1268 - لسبّ بذلك الجرو الكلابا (¬5)
فقيل: إن «الكلاب» منصوب بإضمار فعل يفسره ما قبله، التقدير: «يسبون -
¬__________
(¬1) في شرح المفصل لابن يعيش (7/ 74): «فلكون الفعل حديثا عن المفعول به في الأصل حتى ظفر به وكان موجودا في الكلام لم يقم مقام الفاعل سواه، مما يجوز أن يقوم مقام الفاعل عند عدمه من نحو:
المصدر، والظرف من الزمان والمكان؛ لأن الفعل صيغ له وما تقيمه مقام الفاعل غيره، فإنما ذلك على جعله مفعولا به على السعة» اه.
وأقول: من هذا النص يتبين لنا أن ابن عمرون أخذ هذا الرأي وهذا التعليل عن شيخه ابن يعيش فقد تتلمذ على يديه وأخذ النحو عنه كما بينا في ترجمته السابقة.
(¬2) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (7/ 75)، والخصائص (1/ 398)، والإفصاح للفارقي (ص 94).
(¬3) في المحتسب لابن جني (2/ 111) في تخريج قراءة من قرأ قوله تعالى: توقد من شجرة مباركة في سورة النور يقول ابن جني بعد ذلك: «ونحو من هذا قراءة من قرأ (نجّي المؤمنين) وهو يريد: ننجي المؤمنين، فحذف النون الثانية وإن كانت أصلية، ومشبهها لاجتماع المثلين بالزائدة» اه.
وينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 36).
(¬4) ينظر: هذان التخريجان في إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 232)، والإتحاف (ص 390).
(¬5) تقدم ذكره.