كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: والغائبتين هو كما تقدم، نحو: تقوم الهندان والهندان تقومان، وتدمع العينان والعينان تدمعان.
وذكروا ها هنا صورة:
وهي إذا قلت: الهندان هما يقومان، والعينان هما يدمعان، فهل يكون بالتاء حملا على الظاهر، وبالياء حملا على هما؛ لأن لفظه لفظة ضمير الغائبين المذكرين؟ منهم من قال بالأول ومنهم من قال بالثاني.
قال الأبذي (¬1):
القول بأن يكون بالياء باطل؛ لا تستعمل العرب الفعل هنا الا بالتاء؛ لأن الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها، يعني أن الضمير يجري مجرى ظاهره؛ فكما يقال: الهندان تخرجان كذلك يقال: هما تخرجان. ثم أنشد قول عمر بن أبي ربيعة (¬2).
10 - أقصّ على أختيّ بدء حديثنا ... وما لي من أن يعلما متأخّر
لعلّهما أن تبغيا لك حيلة ... وأن ترحبا سربا لما كنت أحصر (¬3)
-
¬__________
(¬1) هو أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم الخشني، الملقب بالأبذي. من أحفظ أهل زمانه، كان فقيرا؛ ولكنه كان إماما في العلم. عاش في غرناطة، وكان نحويّا حافظا للخلاف بين النحاة، ومن أهل المعرفة بكتاب سيبويه والواقفين على غوامضه وأقرأه لتلاميذه. سأل يوما أبو حيان أبا إسحاق إبراهيم بن زهير - والأبذي حاضر - ما حد النحو؟ فقال هذا الشيخ: هو حد للنحو، استقر بغرناطة إلى أن مات في رجب سنة (680 هـ). ومن مؤلفاته: شرح المقدمة الجزولية لأبي موسى الجزولي (توفي سنة 610 هـ) وسينقل منه الشارح عدة نقول. وانظر
ترجمة الأبذي في بغية الوعاة (2/ 199)، ولم أعثر على شرحه المذكور.
(¬2) هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة القرشي المخزومي أبو الخطاب، شاعر مشهور لم يكن في قريش أشعر منه؛ كثير الغزل والمجون والخلاعة، صور من نفسه معشوقا، وجعل من نفسه فتى تتسابق إليه النساء، ولد سنة (23 هـ) في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب، ولذلك قال الحسن البصري فيها: أي حق رفع وأي باطل وضع.
ولعمر ديوان شعر كبير مطبوع دون شرح. وقد شرحه الشيخ محيي الدين عبد الحميد في طبعة أخرى، وعاش عمر سبعين عاما؛ حيث توفي سنة (93 هـ). (الأعلام: 5/ 211، الأغاني: 1/ 35 - دار التحرير).
(¬3) البيتان من بحر الطويل من قصيدة مشهورة لعمر بن أبي ربيعة مطلعها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أو رائح فمهجّر
انظر الديوان (ص 66).
ويستشهد بالبيت الثاني على أن ضمير الغائبتين كالظاهر؛ فالواجب تأنيث الفعل له؛ حملا على أصل -

الصفحة 174