كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صلاحيته أن يكون طريقا، لا يطلق عليه بيت لمجرد صلاحيته أن يكون بيتا؛ فالطريق إذا مكان مختص كما أن البيت مكان مختص، ومن قال: إن الطريق حقيق الظرفية القياسية ابن الطراوة، وزعم أنه يقال: ذهبت طريقي ومروا طرقاتكم (¬1)، قال أبو علي الشلوبين: والرد عليه تكذيبه، قلت: ويناسب قول ابن الطراوة في الطريق حكاية السيرافي عن بعض النحويين أنه قال: إنما قالت العرب: ذهبت الشأم، لأن الشأم بمعنى اليسار، فإنه يقال: شامه إذا قابل يساره، وأجاز هذا القائل أن يقال:
ذهبت اليمن، لأن اليمن بمعنى اليمين، ولم يجز أن يقال: ذلك في عمان ومكة؛ لأنه ليس فيهما ذلك المعنى، ويلزم هذا أن يجيز ذلك في العالية؛ لأن فيها معنى فوق (¬2). هذا معنى قول السيرافي، قلت: ولو كان قولهم: ذهبت الشام
لكونه بمعنى يسار لكان غير ذهب أولى بذلك من ذهب، فكان يقال: أقمت الشام كما يقال: أقمت يسار الكعبة، ففي عدم معاملة غير «ذهب» بهذه المعاملة دلالة على أن باعثهم على ذلك إنما هو كثرة الاستعمال، ولذلك شبهه سيبويه بدخلت البيت (¬3)، وقال الفراء: العرب تعدي ذهب وانطلق إلى جميع البلدان، فيقال: ذهبت الكوفة وانطلقت الغور (¬4)، فعلى قول الفراء لا تختص ذهب بنصيب الشام بل ينتصب به كل بلد، وكذلك انطلق، ولا علة لذلك إلا كثرة الاستعمال كما فعل بدخل [2/ 453] مع جميع الأمكنة المختصة، وفي فعل هذا بانطلق دلالة واضحة على أن الأصل في هذه الأفعال الثلاثة التعدي بحرف جر، إذ لا يوجد الفعل متعد بنفسه (¬5). هذا كلام المصنف رحمه الله تعالى، ولنتبعه بأمور ننبه عليها:
منها: أن النحاة مطبقون على أن اسم المكان لا ينصب منه على الظرف إلا ما كان مبهما (¬6)، معتلين لذلك بأن أصل العوامل الفعل، ودلالته على الزمان أقوى -
¬__________
(¬1) ينظر: أبو الحسين بن الطراوة وأثره في النحو (ص 89، 90)، والارتشاف (ص 689).
(¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 330)، وشرح السيرافي (2/ 243)، والتذييل (3/ 387).
(¬3) ينظر: الكتاب (1/ 414).
(¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور: (1/ 331) طبعة العراق، والهمع (1/ 200).
(¬5) شرح التسهيل للمصنف (2/ 225 - 229).
(¬6) ينظر: المقتضب (4/ 335، 336)، واللمع لابن جني (ص 139)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 92)، والمسائل البغداديات للفارسي (ص 332) رسالة بجامعة عين شمس.

الصفحة 1991