كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
متصلا، على أن يراد بالعباد: المخلصون وغيرهم (¬1)، والانقطاع مذهب ابن خروف والاتّصال مذهب الزّمخشريّ (¬2).
ومنها قوله تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (¬3). على إرادة:
لا من يعصم من أمر الله إلّا من رحمه الله، وهو أصحّ الوجوه والتقدير: لا عاصم اليوم من أمر الله لأحد، أو تقول: العاصم يستدعي معصوما فكان بمنزلة المذكور، كأنّه قيل: لا معصوم عاصم من أمر الله إلّا من رحمه الله، وفي هذه الآية الكريمة أربعة أوجه:
وجهان على الاتصال؛ أي: لا عاصم إلا الراحم، ولا معصوم إلّا المرحوم.
ووجهان على الانفصال؛ أي: لا عاصم إلا المرحوم، ولا معصوم إلا الرّاحم.
ومنها: المستثنى السابق زمانه زمان المستثنى منه كقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ (¬4) فـ ما قَدْ سَلَفَ وإن لم يكن داخلا في المنهيّ عن نكاحه فمن الجائز أن تكون المؤاخذة به باقية، فبين بالاستثناء عدم بقائها فكأنه قيل: الناكح ما نكح أبوه مؤاخذ بفعله إلا ما قد سلف.
ومنها: قولهم: لأفعلنّ كذا وكذا إلا حل ذلك أن أفعل كذا وكذا. مثّل به سيبويه ثمّ قال: فإنّ (أفعل كذا وكذا) بمنزلة فعل كذا وكذا (¬5)، وهو مبني على (حل) و (حل) مبتدأ كأنه قال: ولكن حلّ ذلك أن أفعل كذا وكذا.
قال السّيرافي: (إلا) بمعنى (لكن)؛ لأنّ ما بعدها مخالف لما قبلها وذلك أنّ قوله: (لأفعلنّ كذا وكذا) عقد بين عقده على نفسه وحلّه إبطاله، ونقضه كأنّه قال: عليّ فعل كذا مقصودا لكن إبطال هذا العقد فعل كذا (¬6).
قال المصنّف: وتقدير الإخراج في هذا أن يجعل قوله: (لأفعلنّ كذا) بمنزلة: لا -
¬__________
(¬1) ينظر: البحر المحيط لأبي حيان (5/ 452).
(¬2) ينظر في بيان مذهبي ابن خروف، والزمخشري: الهمع (1/ 223)، والاستغناء في أحكام الاستثناء (474).
(¬3) سورة هود: 43.
(¬4) سورة النساء: 22، وينظر الهمع (1/ 223)، وشرح ألفية ابن مالك لابن الناظم (228)، تحقيق د/ عبد الحميد السيد، دار الجيل - بيروت.
(¬5) الكتاب (2/ 342).
(¬6) ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 551)، وشرح السيرافي (3/ 122 / ب)، المخطوط (رقم 137) نحو بدار الكتب.

الصفحة 2120