كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جائز عند الكوفيين (¬1) وهو الصحيح، وممن وافقهم ابن خروف (¬2). واستدلّ المصنف على استثناء الأكثر بقوله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (¬3) قال: لأنّ من سفه نفسه أكثر ممن لم يسفه نفسه، فإنّ
المراد ب مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ المخالفون لملة إبراهيم، وهم أكثر من الذين تبعوها لأنّ القوم (الخاسرين) (¬4) هم غير المؤمنين، لقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا (¬5). واستدلّ ابن خروف بقوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ (¬6) قال: «فالقليل هو المستثنى وليس معلوم القدر، فأبدل منه النصف على جهة البيان لمقدار القليل، والضمير عائد إلى الليل، والمعنى: قم نصف الليل، والضمير في «منه) عائد إلى النصف وكذا الضمير في عليه فالتقدير: قم نصف الليل أو أقلّ منه أو أكثر منه، قال: فخرج من هذا أن المستثنى النصف، أو أقلّ منه أو أكثر، ولا محيص عنه. انتهى.
وإدخال ابن خروف أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ في حيّز الاستثناء، وقوله: فخرج من هذا أنّ المستثنى أقلّ من النّصف أو أكثر، غير ظاهر؛ إذ ليس قوله تعالى: أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ (¬7) من الاستثناء في شيء، وأمّا استدلاله على صحة استثناء النّصف بقوله تعالى: إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ (¬8) فظاهر في المراد، وكذا ما تقدّم من أدلّة المصنف على صحّة استثناء الأكثر وقد أوّل المخالفون ذلك، أمّا: مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (¬9) فجعلوه منقطعا، إذ ليس الكلام فيه (¬10). -
¬__________
(¬1) ومنع ذلك من الكوفيين القاضي أبو بكر، في آخر أقواله، ومنعه الحنابلة، ينظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (2/ 129).
(¬2) ينظر: شرح جمل الزجاجي لابن عصفور (2/ 249، 250) والتذييل والتكميل (3/ 79).
(¬3) سورة البقرة: 130.
(¬4) ما بين القوسين من الهامش.
(¬5) سورة العصر: 2، 3.
(¬6) سورة المزمل، قال ابن عصفور - في الشرح الكبير (2/ 250، 251) -: «ووجه الدليل في هذه الآية أن القليل مستثنى من الليل، فالمراد به النصف بدليل أنه قد أبدل منه النصف بدل شيء من شيء، قالوا: ولا يجوز أن يكون أبدل منه بدل بعض من كل، حتى كأنه قال: قم نصف القليل لأن القليل مبهم، فلا يعلم قدر نصفه». اه. وينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 571)، والتذييل والتكميل (3/ 579، 580).
(¬7) سورة المزمل: 3 و 4.
(¬8) سورة المزمل، 2، 3.
(¬9) سورة البقرة: 130.
(¬10) التذييل (3/ 580).

الصفحة 2167