كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال: قليل بها الأصوات، غير بغامها، إذا كانت غير استثناء، قال سيبويه: ومثل ذلك قول الله عز وجل: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (¬1)، يعني في وقوع (غير) صفة لما فيه ألف ولام، فإن رفع كان صفة لـ (القعدون) وإن جرّ كان صفة لـ (المؤمنين.)
قال المصنف (¬2): ولا يصحّ جعل (غير) في الآية الكريمة بدلا؛ لأنّه لا يستغنى به عمّا قبله، ومن وصف ذي الألف واللام أيضا بـ (غير) قول لبيد:
1725 - وإذا أقرضت قرضا فأجزه ... إنّما يجزي الفتى غير الجمل (¬3)
قال السيرافي: وأمّا قول الشّاعر:
1726 - قليل بها الأصوات إلّا بغامها (¬4)
ففيه وجهان: أحدهما: ما قاله سيبويه، ومقتضاه، أنّه أثبت بها أصواتا قليلة، وجعل: (إلّا بغامها) نعتا للأصوات.
والوجه الثاني: يكون (قليل) بمعنى النّفي، كأنّه قال: ما بها أصوات إلّا -
¬__________
(¬1) سورة النساء: 95. قرئ برفع غير ونصبها، وجرها، أما قراءة الرفع فوجهها الأكثرون على أنها صفة القعدون، وأجاز بعض النحويين فيه البدل؛ لأنه بعد نفي، وأما قراءة النصب فهي على الاستثناء من القعدون وهو الأظهر، وقيل: استثناء من المؤمنين، وقيل بنصبه على الحال من القعدون وأما قراءة الجر فعلى أنه صفة لـ المؤمنين.
ينظر: الكتاب (2/ 332، 333)، والبحر المحيط (3/ 330، 331).
(¬2) شرح المصنف (2/ 301).
(¬3) البيت من بحر الرمل، من قصيدة للشاعر لبيد بن ربيعة العامري، في ديوانه (ص 174)، وفي العجز برواية أخرى: إنما يجزي الفتى ليس الجمل.
اللغة: القرض: ما يعطى من المال، ليتقاضاه صاحبه، والمقصود به هنا: ما سلف من إحسان، أو إساءة. الفتى: السيد اللبيب، والعرب تقول للجاهل: يا جمل، أي إنما يجزي اللبيب من الناس، لا الجاهل، وقيل: الجمل بمعنى الأحمق.
الشاهد فيه: نعت «الفتى» وهو معرفة بـ «غير»، وهو نكرة ومسوغ هذا أن التعريف بالألف واللام يكون للجنس، فلا يخص أحدا بعينه. ينظر: الخزانة (4/ 68، 72، 477)، (2/ 28)، والعيني (4/ 176)، ومجالس ثعلب (ص 515)، والكتاب (2/ 333)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 227)، والهمع (1/ 229).
(¬4) شرح السيرافي (3/ 119).

الصفحة 2190