كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 5)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا يكونان إلّا بما ثبت، واستمرّ. ولهذا لا يقال: نعم الرجل أمس ولا نعم الرجل، غدا. بقي أن يقال: فما المراد بالإنشاء؟ إن أريد به ما يقابل الخبر - كما صرح بذلك بعض العلماء - أشكل الأمر؛ لأنّ نحو: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، يقبل التصديق والتكذيب، والإنشاء لا يقبل ذلك وإن أريد به غير ذلك فلا بأس، لكن [3/ 90] يحتاج إلى معرفته، ولم يظهر لي ما هو على التحقيق (¬1) نعم قد يدّعى أن المراد بالإنشاء هنا الحال، وليس المراد بالحال ما يقابل الماضي والمستقبل، بل المراد بها الأمر الدائم المستمرّ كما تقدّم تقديره.
وهذا كما يقال في الصفة المشبهة: إنّ معناها الحال أي: الزمن الحاضر، وليس المراد به إلا الدوام والاستمرار. أمّا قوله: على سبيل المبالغة فالمراد به أنّ نحو: «نعم الرجل فلان» هو الغاية في المدح، و «بئس الرجل فلان» هو الغاية في الذّمّ، ولهذا قال المصنف - بعد أن ذكر المبالغة -: وربّما توهّم غير ذلك، وذكر الحكاية عن شريك، إلا أنّ في قوله: على سبيل المبالغة نظرا؛ لأنّ ذلك يقتضي أنّ المبالغة حصلت من قائل: «نعم الرجل فلان»، ولا يلزم من ذلك أن يكون المذكور مستحقّا لما مدح به، والأولى العدول إلى عبارة الزمخشري فإنّه قال: إنّ (نعم) وضعت للمدح العامّ، يعني المدح لا خصوصيّة فيه؛ لأنك إذا قلت: نعم الرجل زيد فقد مدحته مطلقا من غير تعيين خصلة
معينة مدحته بها، وكذلك الكلام في (بئس) فهي للذّمّ العامّ أي لذمّ لا خصوصية فيه، فإذا قلت: «بئس الرجل فلان» فقد ذممته مطلقا من غير تعيين خصلة معينة ذممته بها، والمراد أنّك في المدح مدحته من كلّ الوجوه وفي الذّمّ ذممته من كلّ الوجوه (¬2).
ومما يحقق لك أنّ قول الزمخشريّ أنّ هذين الفعلين للمدح العام والذّمّ العام أولى وأتمّ من قول المصنف: على سبيل المبالغة - ما ذكره بعض النحاة (¬3) وهو أنّ هذين الفعلين قد خالفا سائر الأفعال الموضوعة للمدح والذّمّ؛ لأن كلّ فعل استعملته لجهة من المدح كان مقصورا عليها لا يتعدّى إلى غيرها، وكذلك الذّمّ نحو: «كرم الرجل -
¬__________
(¬1) لعل المراد بالإنشاء - وهو ما لم يظهر للعلامة ناظر الجيش - إحداث وحصول المدح بـ (نعم) والذمّ بـ (بئس) بعد أن كانتا في أصل وضعهما (نعم، وبئس) للدلالة على النعمة والبؤس. ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 2) رسالة.
(¬2) ينظر: المفصل بشرح ابن يعيش (7/ 127).
(¬3) يقصد العبدي كما في التذييل والتكميل (4/ 448) رسالة.