كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالاستقراء - لأنّ أبا عليّ والزمخشريّ يجيزان التمييز في هذا الباب بـ (ما) فيزعمان أنّ فاعل (نعم) في قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ (¬1) وشبهه، مضمر كما هو في: نعم رجلا زيد، و (ما) في موضع نصب على التمييز (¬2)، وربما اعتقد من لا يعرف أنّ هذا مذهب سيبويه وذلك باطل، بل مذهب سيبويه أنّ (ما) اسم تامّ مكنيّ به عن اسم معرّف بالألف واللام الجنسية مقدّر بحسب المعنى (¬3) كقولك في إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ (¬4): إنّ معناها: فنعم الشيء إبداؤها، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. قال أبو الحسن بن خروف: وتكون (ما) تامة معرفة بغير صلة نحو: دققته دقّا نعمّا، قال سيبويه (¬5): أي: نعم الدقّ، ونعمّا هي: أي نعم الشيء إبداؤها، ونعمّا صنعت، وبئسما فعلت، أي: نعم الشيء: شيء صنعت. هذا كلام ابن خروف معتمدا على كلام سيبويه، وسبقه إلى ذلك السيرافي، وجعل نظيره قول العرب: إنّي ممّا أن أصنع (¬6)، أي: من الأمر أن أصنع، فجعل (ما) وحدها في موضع الأمر، ولم يصلها بشيء، وتقدير الكلام: إنّني من الأمر صنعي كذا وكذا فالياء اسم (إنّ) و (صنعي) مبتدأ و (من الأمر) خبر [3/ 96] (صنعي) والجملة في موضع خبر (إنّ) هذا كلام السيرافيّ، وهو موافق لكلام سيبويه رحمه الله تعالى فإنّه قال: ونظير جعلهم (ما) وحدها اسما قول العرب: إني ممّا أن أصنع أي من الأمر أن أصنع، فجعلوا (ما) وحدها اسما (¬7)، ومثل ذلك: غسلته غسلا نعمّا، أي: نعم الغسل (¬8) فقدّر (ما) بالأمر، وبالغسل ولم يقدرها بأمر، ولا غسل، فعلم أنها عنده معرفة، وحكى الفراء عن الكسائي أنّه قال: أرادت العرب أن تجعل (ما) بمنزلة الرجل ظرفا -
¬__________
(¬1) سورة البقرة: 271.
(¬2) ينظر رأي أبي علي في الإغفال له (1/ 317، 318) والشيرازيات (2/ 550)، والمسائل البغداديات (ص 127) رسالة، وينظر رأي الزمخشري في المفصل (273)، والكشاف (1/ 397).
(¬3) ذكر ابن مالك هذا الوجه أيضا في الرد على أبي علي. ينظر شرح المصنف (3/ 11)، والتذييل والتكميل (4/ 520)، وخزانة الأدب (9/ 413).
(¬4) سورة البقرة: 271، أي إبداء الصدقات.
(¬5) ينظر: الكتاب (1/ 73)، وابن الناظم (183)، والشاطبي (4/ 23).
(¬6) ينظر: الكتاب (1/ 73)، والمقتضب (4/ 175)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 24) رسالة.
(¬7) في شرح الكافية: «ويقوي تعريف (ما) في نحو: «مما أن أصنع» كونها مجرورة بحرف مخبر به وتعريف ما كان كذلك أو تخصيصه لازم بالاستقراء.
(¬8) ينظر: الكتاب (1/ 73).

الصفحة 2540