كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تامّا، ثم أضمروا ما يشير إلى أنّ قولهم: «بئس ما صنعت» معناه: بئس الشيء ما صنعت، والموجود فاعل و (ما) المقدرة مبتدأ (¬1). هذا معنى ما نقله الفراء عن الكسائي، فمذهبه كمذهب سيبويه إلّا أنّ المحقق من أصحاب سيبويه يجعل التقدير: نعم الشيء شيئا صنعت (¬2)، ويقوي تعريف ما بعد (نعم) كثرة الاقتصار عليها في نحو: غسلته غسلا نعمّا، والنكرة التالية (نعم) لا يقتصر عليها إلا في نادر من القول (¬3)، كقول الراجز:
2003 - تقول عرسي وهي لي عومره ... بئس امرأ، وإنّني بئس المره (¬4)
ويقوى أيضا فاعلية (ما) المذكورة وأنها ليست تمييزا: أنّ التمييز إنما يجاء به لتعيين جنس المميّز، و (ما) المذكورة مساوية للمضمر في الإبهام، فلا يكون تمييزا (¬5)، ويقوّي تعريف (ما) في نحو: «مما أن أصنع» كونها مجرورة بحرف مخبر به، وما كان كذلك فلا يكون - بالاستقراء - إلا معرفة، أو نكرة موصوفة، و (ما) المذكورة غير نكرة موصوفة فتعين كونها معرفة، وإلّا لزم ثبوت ما لا نظير له، قال أبو علي في البغداديات - في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ (¬6) -: يجوز أن تكون (ما) معرفة، ويجوز أن تكون نكرة، فإن حملته على أنّه معرفة كان رفعا ولم يكن لقوله: يَعِظُكُمْ موضع من الإعراب، وإن حملته على أنّه نكرة كانت -
¬__________
(¬1) ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 57).
(¬2) هذا رأي الجرمي وينظر في التذييل والتكميل (4/ 476) والمساعد لابن عقيل (137 / أ).
(¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 11) وفي التذييل والتكميل (4/ 474، 475) وليس بنادر كما قال لقوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا فهذا كقوله: بئس امرأ.
(¬4) هذا البيت من الرجز لم أهتد إلى قائله، وقال العيني: لم أقف على اسم قائله وروي: بئس امرؤ، بالرفع وليس كذلك.
اللغة: عرسي: - بكسر العين وسكون الراء - زوجتي، لي: معي، عومرة: صخب وجلبة وفي جمهرة اللغة: وقع القوم في عومرة، أي: تخبط وشر.
والشاهد في البيت: قوله: «بئس امرأ»؛ حيث أضمر الفاعل فيه وفسرته النكرة بعده المنصوبة على التمييز وفيه ثلاثة أشياء: تذكير الفعل المسند إلى المؤنث أي: بئست المرأة، وتقديم المخصوص بالذم على بئس، لدخول الناسخ عليه، وتخفيف الهمزة من المرأة.
ينظر الشاهد في التذييل والتكميل (4/ 474)، والعيني (4/ 29)، والأشموني (3/ 32).
(¬5) ينظر: شرح الكافية الشافية (2/ 1112)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 24) رسالة.
(¬6) سورة النساء: 58.

الصفحة 2541