كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإنّ حذف المنادى، وإبقاء حرف النداء يجوز بإجماع، ومنه قول الشاعر:
2045 - يا لعنة الله والأقوام كلّهم ... والصّالحين على سمعان من جار (¬1)
وليس بشيء قول من قال - في قراءة الكسائيّ -: إنّ معناه: ألا ليسجدوا فحذف لام الأمر، وبقي الفعل مجزوما؛ لأنه قد روي عن الكسائيّ أنّ القارئ بروايته إذا اضطرّ للوقوف على الياء يقف بالألف، ويبدأ بعدها (اسجدوا) بضم الهمزة (¬2)؛ فعلم بذلك أنه فعل أمر قبله (يا) وقد جعل بعض العلماء (يا) في مثل هذا لمجرّد التنبيه، دون قصد نداء، مثل (ها) ومثل (ألا) الاستفتاحية (¬3)، وهذا هو الظاهر من كلام سيبويه في باب: عدّة ما يكون عليه الكلم (¬4)، ويؤيد هذا كثرة دخولها على (ليت) (¬5) في كلام من لا يحضره منادى، ولا يقصد نداء، كقوله تعالى: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ (¬6)، وكثرة معاقبتها (ألا) -
¬__________
(¬1) هذا البيت من البسيط، وهو من أبيات سيبويه مجهولة القائل.
يروى: «الصالحين» - بالجر - عطفا على لفظ الجلالة، وبالرفع عطفا على محل لفظ الجلالة، إذا كان فاعلا في المعنى. «سمعان» بفتح السين، وكسرها «من جار» للبيان، متعلق بمحذوف، تقديره: على سمعان الحاصل من الجيران، أو: حاصلا من الجيران.
والشاهد في البيت: قوله: «يا لعنة الله»؛ حيث حذف المنادى لدلالة حرف النداء عليه، والمعنى:
يا قوم، أو: يا هؤلاء لعنة الله على سمعان. ولذلك رفع (لعنة) على الابتداء، ولو أوقع النداء عليها لنصبها، وقيل: يحتمل أن تكون (يا) لمجرد التنبيه.
ينظر الشاهد في: الكتاب (2/ 219)، وشرح المفصل (2/ 24)، ومغني اللبيب (ص 610)، والهمع (1/ 174)، (2/ 70)، والدرر (1/ 150)، (2 /
86).
(¬2) ينظر: البحر المحيط (7/ 69)، والتذييل والتكميل (4/ 573)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 24).
(¬3) في الخصائص (2/ 376، 377): فأما قوله تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا فليس المنادى هنا محذوفا، ولا مرادا، كما ذهب إليه محمد بن يزيد، وقد أخلصت «يا» للتنبيه، مجردا من النداء، كما أنّ «ها» من قوله تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ [النساء: 109] للتنبيه، من غير أن تكون للنداء». اه.
وينظر: البحر المحيط (7/ 69)، والتذييل والتكميل (4/ 573).
(¬4) في الكتاب (4/ 224): «وأما (يا) فتنبيه، ألا تراها في النداء، وفي الأمر، كأنك تنبه المأمور، قال الشاعر - وهو الشماخ:
ألا يا اسقياني ... ... ...
البيت». اه.
(¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 573)، والهمع (2/ 70).
(¬6) سورة النساء: 73.

الصفحة 2591