كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اثنين عدّي إلى أحدهما باللّام، وأضمر ناصب الثاني، كقولك: هو أكسى للفقراء الثياب، أي: يكسوهم الثياب (¬1)، وإن ورد ما يوهم نصب مفعول به بـ «أفعل» نسب العمل لفعل محذوف وجعل «أفعل» دليلا عليه، فمن ذلك قول الشاعر:
2142 - فلم أر مثل الحيّ حيّا مصبّحا ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا
أكرّ وأحمى للحقيقة منهم ... وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا (¬2)
ومثله قول الآخر:
2143 - فما ظفرت نفس امرئ يبغي المنى ... بأبذل من يحيى جزيل المواهب (¬3)
ومنه قوله تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (¬4) فـ (حيث) هنا ليس بظرف وإنما هو مفعول به، وناصبه فعل مدلول عليه بـ «أعلم»، والتقدير: الله أعلم مجردا عن التفضيل (¬5)، ويكون هو العامل، وتتعلق حروف الجرّ بـ «أفعل» التفضيل، على نحو ما يتعلق بـ «أفعل» المتعجّب به، فيقال: زيد أرغب في الخير من عمرو، وعمرو أجمع للمال من زيد، ومحمد أرأف بنا من غيره، وكذلك ما أشبهه، والله -
¬__________
(¬1) في التذييل والتكميل (4/ 771): (وينبغي ألّا يقال هذا التركيب إلا إن كان مسموعا من لسانهم) اهـ.
(¬2) البيتان من الطويل ضمن قصيدة لعباس بن مرداس الصحابي، وتعد من المصنفات التي أنصف فيها قائلوها أعداءهم.
اللغة: أكر: أكثر كرّا، الحقيقة: ما يحق على المرء أن يحميه. القوانس: جمع قونس وهو أعلى بيضة الرأس. والمعنى كما قال التبريزي: لم أر مثل عشيرتي.
والشاهد قوله: «القوانسا»؛ حيث انتصب بفعل محذوف دل عليه بأفعل أي: يضرب القوانس.
ينظر الشاهد في: ديوان العباس بن مرداس (69)، ونوادر أبي زيد (ص 260)، والتذييل والتكميل (4/ 769).
(¬3) البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معين.
الشاهد فيه: نصب جزيل بفعل محذوف دل عليه بأبذل وتقديره يبذل جزيل المواهب، والبيت من شواهد شرح المصنف (3/ 69)، والتذييل والتكميل (4/ 769)، والمساعد لابن عقيل. تحقيق د/ محمد كامل بركات (2/ 186)، وشرح التصريح (2/ 106) وفيه: (وحكمة كونه لا ينصب المفعول المطلق إعطاؤه حكم فعل التعجب؛ لأن معناهما المبالغة) اهـ.
(¬4) سورة الأنعام: 124.
(¬5) في التذييل والتكميل (4/ 770): (فـ (حيث) هنا ليس بظرف وإنما هو مفعول به وناصبه فعل مدلول عليه بـ «أعلم» والتقدير: الله أعلم، يعلم مكان جعل رسالته) اهـ.

الصفحة 2698