كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 7)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك بأن عمل الجر في الأصل إنما هو للحرف، ولكن العرب تحذف حروف الجر في مواضع (¬1)، وفي هذا الباب لما حذف الحرف ناب الاسم المضاف منابه فعمل عمله (¬2). أشار إلى ذلك ابن عصفور في شرح الإيضاح.
وأقول: لا يخفى ضعف هذا الجواب. وأما السؤال فمدفوع من أصله؛ وذلك أن العمل الذي يكون الاسم فيه محمولا على الفعل إنما هو العمل الذي يستحقه الفعل وهو الرفع والنصب؛ ففي عمل هذين يقال: الاسم إنما يعمل لشبه الفعل، وأما الجر فليس من مستحقات الفعل. ولا شك أن الجر أحد أنواع الإعراب الثلاثة التي تكون في الاسم، فلا بد له من عامل، والفعل لا مدخل له في عمل الجر؛ فوجب أن يكون عمل الجر ناشئا إما عن حرف وإما عن اسم، فكان العمل للحرف في نحو: نظرت إلى زيد، ومررت بعمرو، ورغبت في الخير، وللاسم في نحو: غلام زيد، وضارب عمرو، وذلك أن موجب العمل الاقتضاء، فإذا اقتضى شيء شيئا وجب أن يعمل فيه؛ فالحرف اقتضى اسما يباشره ليوصل إليه معنى الفعل الذي تعلق به، والاسم الذي هو المضاف اقتضى اسما يضاف هو إليه ليتخصص به، فوجب أن يكون كل منهما عاملا في ما اقتضاه وكان العمل الجر؛ لأن الرفع والنصب اللذين هما النوعان الآخران إنما يسبقهما الفعل وما أشبهه من الأسماء والحروف.
الرابع:
قد علم من كلام المصنف أن الإضافة ثلاثة أقسام: إضافة بمعنى «في». وإضافة بمعنى «من»، وإضافة بمعنى اللام. فليعلم أن الإضافة التي بمعنى أحد هذه الأحرف الثلاثة هي الإضافة المحضة التي هي المعنوية. وأما الإضافة اللفظية فليست بمعنى حرف؛ لأن المقصود بها إنما هو تخفيف اللفظ، ومعنى الإضافة فيها مفقود؛ فمن أين يجيء معنى حرفها؟ وكلام المصنف في هذا الكتاب وفي بقية كتبه يوهم أن الإضافة معنوية كانت أو لفظية تقدر بحرف، وليس كذلك؛ فكان الأولى أن يقول أولا: الإضافة لفظية ومعنوية، والمعنوية إما بمعنى «في» أو «من» أو اللام؛ ليعلم -
¬__________
(¬1) يكثر ذلك ويطرد مع «أن» و «أنّ» نحو: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ونحو: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ، وجاء في غيرهما نحو: قَدَّرْناهُ مَنازِلَ أي قدرنا له. وراجع المغني (2/ 172) - الأمير.
(¬2) وهو مذهب سيبويه. راجع الكتاب (1/ 209).

الصفحة 3162