كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 8)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأما قوله: وإن كان أفعل تفضيل خلافا لمن استثناه فإنه يشير به إلى مذهب الكوفيين؛ لأنهم هم المستثنون له، فهم يزعمون أن «أفعل من» لا يجوز صرفه للضرورة معتلين لذلك بأن التنوين إنما حذف من «أفعل» لأجل «من» فلا يمكن أن يجتمع معها كما لا يجتمع التنوين مع الإضافة (¬1)، وهذا ليس بشيء؛ لأن منع الصرف إنما هو لوزن الفعل والوصف، ويدل على ذلك صرف (¬2): خير منك وشرّ منك مع وجود [من].
وليعلم أن من متأخري النحاة من استثنى من صرف ما لا ينصرف للضرورة في ما آخره ألف قال (¬3): فإنه لا يصرف إذ لا فائدة في صرفه؛ لأن صرف ما لا ينصرف إما أن يكون لزيادة حرف كما في قول القائل: وهنّ عواقد
وإما لتغيير حركة كما في قول الشاعر:
3753 - إذا ما غزوا في الجيش حلّق فوقهم ... عصائب طير تهتدي بعصائب (¬4)
فصرف «عصائب» لأن القوافي مخفوضة، ولا شك أن ما آخره ألف يستوي فيه الرفع والنصب والخفض، فانتفى تغيير الحركة، وإذا زيد فيه التنوين سقطت الألف لالتقاء الساكنين، فيذهب حرف لمجيء حرف آخر. -
¬__________
- كان وهو فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث. والشاهد في: «أحيمر» حيث كونه للضرورة مع كونه مستحقّا للمنع، والبيت في المقرب (2/ 202)، والتذييل (6/ 451)، والعيني (4/ 377)، والأشموني (3/ 274).
(¬1) انظر شرح الجمل لابن باشاذ (رسالة) (ص 336)، والإنصاف (ص 488) مسألة (69)، والتذييل (6/ 452).
(¬2) انظر شرح الجمل لابن بابشاذ (ص 336)، والإنصاف (ص 491) والتذييل (6/ 452).
(¬3) قال ابن بابشاذ في شرح الجمل (ص 336): «فإذا أثبت هذا فكل ما لا ينصرف يجوز صرفه ضرورة إلا إذا كان في آخره ألف التأنيث المقصورة مثل حبلى وسكرى ودنيا، فإن صرفه لا يزيد من وزنه ولا ينقص منه فلم يكن لصرفه معنى» وانظر ابن يعيش (1/ 67) والتذييل (6/ 451).
(¬4) هذا البيت من الطويل وهو للنابغة الجعدي في ديوانه: الشرح: قوله: حلق فوقهم عصائب طير:
يقول: إذا رأت النسور وغيرها من سباع الطير أهبتهم للقتال علمن أن ستكون ملحمة، فهي ترفرف فوق رؤوسهم وتتبعهم، وقوله: تهتدي بعصائب: أي يتبع بعضها ويهتدي بعضها ببعض. والشاهد في البيت: صرف «عصائب» مع استحقاقه للمنع للضرورة؛ لأن القوافي مخفوضة. والبيت في الشعر والشعراء (ص 175) وديوان النابغة (ص 42) وابن يعيش (1/ 68)، والتذييل (6/ 451).