كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 8)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقوم بالنصب - على تأويل «علمت» بـ «ظننت»، ومثال الثاني: خشيت أن لا يقوم، وخفت أن لا يكرمني - بالرفع - قال سيبويه (¬1): ولو قال: أخشى أن تفعل تريد أن تخبره أنه يخشى أمرا استقر عنده أنه كائن جاز وليس وجه الكلام.
وقال أبو الحسن (¬2): وأما: خشيت أن لا تكرمني فنصب، ولو رفعته على أمر قد استقر عندك كأنك جرّبته فكان لا يكرمك فقلت: خشيت أن لا تكرمني، أي: خشيت أنك لا تكرمني جاز.
وقد خالف المبرد (¬3) في الحكمين المذكورين - أعني إجراء العلم مجرى الظن لتأوله به، وإجراء الخوف مجرى العلم لتيقن المخوف - كما أشار إلى ذلك في متن الكتاب، وقد ردّ على المبرد ذلك:
أما الحكم الأول: فبأن «أن» إذا صح وقوعها علم غير مؤول كما في قول القائل:
3779 - قد علموا ... أن لا يدانينا من خلقه بشر
فوقوعها بعد العلم المؤول أولى.
وأما الحكم الثاني: فبأنه قد سمع من العرب ما ادعى عدم جوازه قال أبو محجن (¬4):
3780 - إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنّني في الفلاة فإنّني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها (¬5)
قال الشيخ (¬6): وثبت في بعض النسخ بعد قوله: خلافا للمبرد: وأجاز بعضهم -
¬__________
(¬1) انظر الكتاب (3/ 167) ونص عبارته: «ولو قال رجل: أخشى أن تفعل يريد أن يخبر أنه يخشى أمرا قد استقر عنده أنه كائن جاز وليس وجه الكلام».
(¬2) انظر: معاني القرآن (1/ 92).
(¬3) انظر المقتضب (3/ 7، 8).
(¬4) أبو محجن: عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف، وقيل: اسمه أبو محجن، وكنيته أبو عبيد وقيل: اسمه مالك، وقيل: عبد الله، أحد الأبطال الشعراء الكرماء في الجاهلية والإسلام، أسلم سنة (9 هـ) وروى عدة أحاديث، توفي بأذربيجان أو بجرجان سنة (30 هـ). انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 430، 431) وخزانة البغدادي (3/ 553 - 556).
(¬5) هذان البيتان من الطويل وقائلهما أبو محجن الثقفي - كما ذكر المؤلف - والشاهد في قوله: «أن لا أذوقها» فإن «أن» فيه مخففة من
الثقيلة وذلك لإجراء الخوف مجرى العلم، والتقدير: أنه لا أذوقها.
والبيتان في معاني القرآن (1/ 146)، وانظر: الخزانة (3/ 550)، والهمع (2/ 2).
(¬6) انظر: التذييل (6/ 518).