كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 8)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأسد لا يكون سببا للسلامة فيصح تقديره بـ: إن لا يكن منك دنو فسلامة.
وقد جاء من السماع ما يصلح أن يحتجّ به الكسائي كقول بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين: «يا رسول الله، لا تشرف يصبك سهم» (¬1)، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من أكل من هذه الشّجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذنا» (¬2) فيمن رواه بالجزم، ورواية الرفع أكثر، وحمل ما جاء من ذلك على الإبدال أولى من حمله على الشذوذ (¬3). انتهى كلام بدر الدين رحمه الله تعالى.
وأنا أشير بعد ذلك إلى أمور:
منها: أن تمثيله بقوله: حسبك ينم النّاس، واتّقى الله امرؤ، وفعل خيرا يثب عليه - يعلم منه أن الخبر المستفاد منه الأمر قد يكون جملة اسمية وقد يكون جملة فعلية؛ لأنهم ذكروا أن خبر «حسبك» محذوف لا يظهر وتقديره: حسبك السكوت والجملة ضمّنت معنى: اكتف، كما أن الجملة الفعلية التي هي: «اتقى الله امرؤ» ضمّنت معنى: ليتق الله امرؤ.
وذهب جماعة منهم ابن طاهر (¬4) إلى أنه مبتدأ لا خبر له، قالوا: لأن معناه:
اكتف، فلم يحتج إلى خبر؛ لأنه في معنى ما لا يخبر عنه.
ونقل الشيخ (¬5) عن بعض الجماعة من المغاربة أنه اسم فعل مبني والكاف للخطاب، قال: وإنما ضمّ آخره؛ لأنه قد كان معربا فحمل على «قبل» و «بعد»، قال (¬6): وزعم الأعلم أنه لا خبر له؛ لأنه مهمل والإهمال عنده يرفع الاسم قال:
ولما استعمل استعمال ما ليس له خبر وهو: اكتف لم يحتج إلى خبره، وردّ (¬7) ذلك بأن «حسبك» وحده يتم منه كلامه، وكلام تام من جزء واحد غير موجود.
ومنها: أن الكسائي إنما أجاز أن يكون للأمر بلفظ الخبر ولاسم الفعل جواب -
¬__________
(¬1) هذه المقولة قالها أبو طلحة رضي الله تعالى عنه للرسول صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد.
انظر: البخاري بشرح السندي (2/ 314) (باب مناقب الأنصار)، (3/ 23) (كتاب المغازي) والرواية في الموضعين بالرفع.
(¬2) هذا الحديث رواه الإمام مالك في الموطأ (1/ 17) والرواية فيه برفع «يؤذينا»، وانظر صحيح مسلم (1/ 394) برواية «ولا يؤذينّا»، (1/ 395) برواية: «فلا يغشنا في مسجدنا».
(¬3) انظر: شرح التسهيل: (4/ 44).
(¬4)،
(¬5) انظر: التذييل (6/ 652).
(¬6) أي: الشيخ أبو حيان. انظر: التذييل (6/ 653).
(¬7) الراد هو الشيخ أبو حيان. انظر: المرجع السابق.