كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 8)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومثال الثالث: قراءة عبد الله بن عامر رضي الله تعالى عنه: وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (¬1) بالنصب (¬2) على تقدير: فإنما يكون منه كن فيكون من ذلك الأمر وهو نادر لا يكاد يعثر على مثله إلا في ضرورة من الشعر.
فأما قولهم: فإنما هي ضربة من الأسد فيحطم ظهره (¬3)، فمن النصب بإضمار «أن» جوازا لعطف مصدر مؤول على مصدر صريح، والمعنى: هي ضربة فحطمة، لا من باب قراءة ابن عامر.
ويختص بالضرورة إضمار «أن» الناصبة بعد الحصر بـ «إلا» كما في قولك:
ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وبعد الخبر المثبت الخالي من الشرط كقول الشاعر:
3889 - سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا (¬4)
أصل الكلام: وألحق بالحجاز فأستريح، ولكن لما كان الروي مفتوحا اضطر فنصب على تقدير: يكون لحاق فاستراحة، ومثله قول طرفة:
3890 - لنا هضبة لا ينزل الذّلّ وسطها ... ويأوي إليها المستجير فيعصما (¬5)
وقول الأعشى:
3891 - ثمّت لا تجزونني عند ذاكم ... ولكن سيجزيني الإله فيعقبا (¬6)
-
¬__________
- فتكون مشهورة كنار في رأس جبل، والبيتان من قصيدة طويلة للأعشى هجا فيها عمرو بن المنذر.
والشاهد: في «وتدفن» حيث نصب بإضمار «أن» وعلل ذلك الأعلم بقوله: لأن جواب الشرط قبله وإن كان خبرا فإنه لا يقع إلا بوقوع الفعل الأول فضارع غير الواجب. وانظر البيتين في المقتضب (2/ 21)، والأعلم بهامش الكتاب (1/ 449) (بولاق) والتذييل (6/ 666)، اللسان «كبب».
(¬1) سورة البقرة: 117.
(¬2) انظر: الحجة لابن خالويه (ص 88، 300)، والكشف (1/ 260).
(¬3) حكاه الكسائي عن العرب برفع «يحطم» ونصبه. انظر: معاني الفراء (2/ 423).
(¬4) تقدم.
(¬5) هذا البيت من الطويل وهو لطرفة بن العبد، ديوانه (ص 4).
الشرح: قوله: هضبة: كناية عن عزة قومه ومنعتهم، ويأوي: يلجأ، ويعصم: يمنع.
والشاهد فيه: نصب «يعصم» بـ «أن» مضمرة بعد الفاء بعد الخبر المثبت وهو ضرورة. والبيت في الكتاب (3/ 40) والمقتضب (2/ 23)، والمحتسب (1/ 197)، والتذييل (6/ 671).
(¬6) هذا البيت من الطويل وهو للأعشى في ديوانه (ص 90) ورواية الديوان: هنالك لا تجزونني.
والمعنى: يقول: لا أبتغي بما أصنع منكم جزاء ولكنما أجري على الله، ويقال: أعقبه الله بطاعته: أي جازاه. -