كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 9)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى (¬1)، وينبغي أن يكون الفعل بعد هذه الفاء خبر مبتدأ محذوف، ولولا ذلك لحكم بزيادة الفاء وجزم المضارع، لأنها حينئذ في تقدير الشرط، لكن العرب التزمت رفع المضارع بعدها فعلم أنها غير زائدة وأنها داخلة على مبتدأ مقدر كما تدخل على مبتدأ مظهر. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقال والده في شرح الكافية (¬2): «أصل جواب الشرط أن يكون فعلا ماضيا صالحا لجعله شرطا، فإذا جاء على الأصل لم يحتج إلى فاء يقترن بها، فإن اقترن بها فعلى خلاف الأصل، وينبغي أن يكون الفعل خبر مبتدإ، ولولا ذلك لحكم بزيادة الفاء
وجزم الفعل إن كان مضارعا لأن الفاء على ذلك التقدير زائدة في تقدير السقوط، لكن العرب التزمت رفع المضارع بعدها فعلم أنها غير زائدة وأنها داخلة على مبتدأ مقدر كما تدخل على مبتدأ مصرح، ومن ذلك قوله تعالى: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (¬3)، ومثله قراءة حمزة: إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، وإذا كان الجواب ماضيا لفظا لا معنى لم يجز اقترانه بالفاء إلا في وعد أو وعيد، لأنه إذا كان وعدا أو وعيدا حسن أن يقدر ماضي المعنى فعومل معاملة الماضي حقيقة، ومثال الماضي حقيقة قوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ (¬4)، ومثال الماضي لفظا لا معنى مقرونا بالفاء قوله تعالى: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ (¬5)، وإلى هذا أشرت بقولي.
ولا يلي [الفا] الماضي الآتي معنى ... إلّا لوعد أو وعيد يعني
ويجوز أن تكون الفاء عاطفة ويكون التقدير: ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار فيقال لهم: هل تجزون؟ كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ (¬6) أي: فيقال لهم: أكفرتم؟
وإذا كان الجواب جملة اسمية [أو فعلية] (¬7) لا تلي حرف الشرط وجب اقترانها بالفاء ليعلم ارتباطها بالأداة، فإن ما لا يصح للارتباط مع الاتصال أحق بأن -
¬__________
(¬1) سورة البقرة: 282.
(¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1594).
(¬3) سورة الجن: 13.
(¬4) سورة يوسف: 26.
(¬5) سورة النمل: 90.
(¬6) سورة آل عمران: 106.
(¬7) انظر البيان للأنباري (1/ 214)، والتبيان للعكبري (284).

الصفحة 4344