كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (اسم الجزء: 9)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أحسنت إليه، فـ «أحسنت» جواب من وجواب «إن دعوته» عنده مستغنى عنه بجواب الشرط، وكأنه قال: من أجابني داعيا له أحسنت إليه، أي من أجابني في حال دعائي أحسنت إليه، قال: وغير المصنف يجعله متأخرا في التقدير فكأنه قال:
من أجابني أحسنت إليه إن دعوته، فقولك: من أجابني أحسنت إليه هو جواب «إن» في المعنى حتى كأنك قلت: إن دعوت فمن أجابني أحسنت إليه، فإذا وقع دعاؤه لشخص فأجابه [5/ 166] ذلك الشخص بعد دعائه إياه وجب عليه الإحسان، لأن جواب الشرط في التقدير بعد الشرط وكذلك البيت الذي أنشدناه يكون التقدير:
إن تذعروا فإن تستغيثوا بنا تجدوا منا معاقل عز، فأول الشرط يصير آخرا سواء أكانت مترتبة في الوجود أم غير مترتبة، فمثال المترتبة: إن أعطيتك إن وعدتّك إن سألتني فعبدي حرّ فالسؤال أول ثم الوعد ثم الإعطاء، فمتى وقع في الوجود وجب العتق، وإن وقعت على غير هذا الترتيب لم يجب العتق، ومثال غير المترتبة: إن جاء زيد إن أكل إن ضحك فعبدي حرّ، فضحك زيد أول ثم الأكل ثم مجيئه [و] حكمها كالمسألة الأولى، وذلك أنه قد تقدم على الجواب ثلاثة شروط فيجعل الجواب للشرط الأول، وجواب الشرط الثاني محذوف لدلالة الشرط الأول وجوابه عليه، وإذا كان دالّا عليه فهو الجواب في المعنى، وجواب الشرط الثالث محذوف لدلالة الشرط الثاني وجواب عليه، وإذا كان دالّا عليه وأغنى عنه فهو جوابه من حيث المعنى، ولما كان جواب كل شرط بعده وقوعا وإن تقدم عليه لفظا جرى في الواقع على أن يتأخر بعده وحتى كأنه قال: إن سألتني فإن وعدتّك فإن أعطيتك فعبدي حرّ قال: وقد سئل عن هذه المسألة عدّة من الفقهاء فمنهم من ذهب إلى هذا الذي قررناه، ومنهم من جعل الجواب للآخر وجواب الثاني الشرط الثالث وجوابه وجواب الأول الشرط الثاني وجوابه، فإذا وقع الأول ثم الثاني ثم الثالث لزم العتق وكأن الفاء عنده محذوفة، فكأنه قال: إن أعطيتك فإن وعدتّك فإن سألتنى فعبدي حرّ، ولا يلزم على هذا المذهب مضيّ فعل الشرط لأنه غير محذوف الجواب، لأن كل شرط قد ذكر جوابه، قال (¬1): وردّ هذا المذهب بوجهين:
أحدهما: أن حذف الفاء لا يجوز في الكلام إنما يجوز في الضرورة. -
¬__________
(¬1) أي الشيخ أبو حيان.

الصفحة 4390