كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

بمقتضاه، فيعامل سبقه تعالى بأَوليته لكل شيء [وسبقه] بفضله وإِحسانه الأَسباب كلها بما يقتضيه ذلك من إِفراده وعدم الإِلتفات إِلى غيره والوثوق بسواه والتوكل على غيره، فمن ذا الذى شفع لك فى الأَزل حيث لم تكن شيئاً مذكوراً حتى سماك باسم الإسلام، ووسمك بسمة الإِيمان، وجعلك من أَهل قبضة اليمين، وأَقطعك فى ذلك الغيب عمالات المؤمنين، فعصمك عن العبادة للعبيد، وأَعتقك من التزام الرق لمن له شكل ونديد، ثم وجه وجهة قلبك إِليه [تبارك وتعالى] دون ما سواه، فاضرع إِلى الذى عصمك من السجود للصنم، وقضى لك بقدم الصدق فى القدم، أَن يتم عليك نعمة هو ابتدأَها وكانت أَوليتها منه بلا سبب منك، واسمُ بهمتك عن ملاحظة الاختيار ولا تركنن إِلى الرسوم والآثار، ولا تقنع بالخسيس الدون، وعليك بالمطالب العالية والمراتب السامية التى لا تنال إِلا [بطاعة الله. فإن الله عز وجل قضى أن لا ينال ما عنده إلا] بطاعته، ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد، فمن أَقبل إِليه تلقاه من بعيد ومن تصرف [بحوله] وقوته أَلان له الحديد، ومن ترك لأَجله أَعطاه فوق المزيد، ومن أَراد مراده الدينى أَراد ما يريد. ثم اسم بسرك إِلى المطلب، واقصر حبك وتقربك على من سبق فضله وإِحسانه إِليك كل سبب منك، بل هو الذى جاد عليك بالأسباب، وهيأَ لك وصرف عنك موانعها وأَوصلك بها إلى غايتك المحمودة. فتوكل عليه وحده وعامله وحده [وآثر رضاه وحده. وأجعل حبه ومرضاته هو كعبة قلبك التى لا تزال طائفاً بها. مستلماً لأركانها] ، واقفاً بملتزمها، فيا فوزك ويا سعادتك إِن اطلع سبحانه على ذلك من قلبك، ماذا يفيض عليك من ملابس نعمه وخلع أفضاله: "اللَّهُمَّ لا مانع لما أَعطيت ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك وبحمدك"، ثم تعبد له باسمه الآخر بأَن تجعله وحده غايتك التى لا غاية لك سواه، ولا مطلوب لك وراءَه فكما انتهت إِليه الأَواخر، وكان بعد كل آخر فكذلك اجعل نهايتك إِليه، فإِن إِلى ربك المنتهى، إِليه انتهت الأسباب والغايات فليس وراءَه مرمى ينتهى إِليه. وقد تقدم التنبيه على ذلك وعلى التعبد باسمه الظاهر. وأَما التعبد باسمه الباطن، فإِذا شهدت إِحاطته بالعوالم وقرب العبيد منه وظهور البواطن له وبدوِّ السرائر له وأَنه لا شيء بينه وبينها فعامله بمقتضى هذا الشهود، وطهر له سريرتك فإِنها عنده علانية

الصفحة 25