كتاب الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

ومما اشتمل عليه القرآن الكريم، آيات المعاملات التي بين الله فيها أحكامه وحد فيها حدوده، وشرع فيها ما يُصلِح الفرد والمجتمع، فلم يشرِّع الله تعالى هذه الأحكام للحفاظ على النظام فحسب، بل شرعها سبحانه لحياة كريمة يصلح فيها حال الأمة جمعاء في الدنيا والآخرة.
وقد اعتنى القرآن الكريم في دعوته للخير ونهيه عن الشر بذكر آثار الخير وعواقبه الحميدة، العاجلة والآجلة، وبذكر آثار الشر وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة. (¬١)
فهو إن أمر بالأوامر الشرعية ونحوها، نبه العقول النيرة على ما اشتملت عليه من المصالح الضرورية المحتاج إليها في المعاش والمعاد، ما يُجزَم بأنه لا أحسن منها، وأن الحكمة تقتضي الأمر بها، وإن نهى عن المحارم والقبائح أخبر بما في ضمنها من الفساد والضرر والشر الحاصل بتناولها، وأن نعمة الله علينا بتحريمها، وتنزيهنا عنها وتكريمنا، وتعلية أقدارنا عن التلبس بها فوق كل نعمة. (¬٢)
والبحث عن هذه الحِكم وإبرازها مطلب مهم تجدر العناية به, ذلك أن النصوص جاءت متضافرة في الكتاب والسنة لبيان هذه الحكم.
ومع كثرة الآيات التي بينت هذه الحكم إلا أنها جاءت بأساليب شتى وطرق متنوعة حتى لا تملها الأسماع ولا تسأم منها النفوس.
فتراه مرة يذكر مع الحكم سببه مقرونا بحرف السببية مقدما أو مؤخرا كما في قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)} [الحج: ٣٩] وقوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠)} [النساء: ١٦٠] وقوله: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ... الآية} [المائدة: ٣٢].
---------------
(¬١) انظر: القواعد الحسان لابن سعدي (ص ٣١).
(¬٢) تيسير الكريم الرحمن: (ص ٢٣).

الصفحة 3