كتاب الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

وتارة يأمر بشيء ويردفه بوصف يبين عاقبته حسنة كانت أم قبيحة كما في قوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: ٣٠] وقوله:
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: ٥٣]. وقوله تعالى في الخمر مبينا عاقبته السيئة: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} ... [المائدة: ٩١].
وحيناً يذكر الحُكم معللا إياه بحرف من حروف التعليل كما في قوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٣٧)} [الأحزاب: ٣٧].
وأخرى يبين الحُكم وأثره بأسلوب السؤال والجواب كما في قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢]
وإذا تأملت السنة النبوية تجدها كذلك مليئة بتبيين الحِكم وإظهارها, ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي اطلع عليه من جحر في حجرته: (لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) (¬١).
وكذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: دف أهل أبيات من البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي) فلما كان بعد ذلك قالوا يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وما ذاك؟) قالوا نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال: ... (إنما نهيتكم من أجل الدافة (¬٢) التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا) (¬٣).
---------------
(¬١) أخرجه البخاري, كتاب الاستئذان, باب الاستئذان من أجل البصر برقم (٥٨٨٧).
(¬٢) الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا ودف يدف بكسر الدال ودافة الأعراب من يردمنهم المصر والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة, انظر: (شرح النووي على مسلم ١٣/ ١٣٠).
(¬٣) أخرجه مسلم, كتاب الأضاحي, باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء, برقم (١٩٧١).

الصفحة 4