كتاب الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

فحين روى الإمام مالك بن أنس (¬١) حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: (نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو) بين الحكمة من ذلك فقال: (إنما ذلك مخافة أن يناله العدو) (¬٢).
وتأمل فتواه رحمه الله حين أراد الخليفة أن يرد البيت على قواعد إبراهيم فقال له: (لا تفعل لئلا يتلاعب الناس ببيت الله) (¬٣).
وهذا أبو يوسف (¬٤) صاحب الإمام أبي حنيفة (¬٥) يستدرك على شيخه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما) (¬٦) , وذلك أن أبا حنيفة قضى للفرس بسهم معللا ذلك بقوله: (لا أفضل بهيمة على رجل مسلم) فاستدرك عليه أبو يوسف بقوله: (ليس ذلك على وجه التفضيل ولو كان على وجه التفضيل ما كان ينبغي أن يكون للفرس سهم وللرجل سهم لأنه قد سوّى بهيمة برجل, إنما هذا على
---------------
(¬١) إمام دار الهجرة، أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الحميري ثم الأصبحي المدني، حليف بني تيم من قريش ولد في سنة ثلاث وتسعين فأخذ عن نافع، وسعيد المقبري، وعامر بن عبد الله ابن الزبير، وابن المنكدر، والزهري، وعبد الله بن دينار توفي في ربيع الأول سنة ١٧٩ هـ (سير أعلام النبلاء ٨/ ٤٨, ٤٩, ١٣٠).
(¬٢) الموطأ, كتاب الجهاد, باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو برقم (٩٦٢) (٢/ ٤٤٦) , وهو عند البخاري في كتاب الجهاد والسير, باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو برقم (٢٨٢٨٢) , ومسلم في كتاب الإمارة باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم برقم (١٨٦٩).
(¬٣) الموافقات, لأبي إسحاق الشاطبي (٤/ ٥٥).
(¬٤) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري الكوفي. حدث عن هشام بن عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي حنيفة، ولزمه وتفقه به، وهو أنبل تلامذته وحدث عنه: يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وعلي بن الجعد، وثقه النسائي وقال أبو حاتم: يكتب حديثه توفي سنة ١٨٢ هـ. (سير أعلام النبلاء ٨/ ٥٣٥ - ٥٣٨).
(¬٥) أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي الكوفي الإمام عالم العراق، ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة، روى عن عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار ونافع مولى ابن عمر, وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه وعني بطلب الآثار وارتحل في ذلك، أخذ عنه أبو عاصم النبيل وعبد الله بن المبارك ومحمد بن الحسن الشيباني قال عنه ابن معين: ثقة, قال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس, وقال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة, توفي شهيدا في سنة ١٥٠ هـ. (سير أعلام النبلاء ٦/ ٣٩٠ - ٤٠٣)
(¬٦) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب سهام الفرس برقم (٢٧٠٨) , ومسلم في كتاب الجهاد والسير, باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين برقم (١٧٦٢).

الصفحة 6