كتاب الحكم من المعاملات والمواريث والنكاح والأطعمة في آيات القرآن الكريم

وفي ذلك يقول العز بن عبد السلام (¬١): (ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر وتارة بالإخبار، وتارة بما رتب عليها في العاجل والآجل من خير أو شر أو نفع أو ضر وقد نوع الشارع ذلك أنواعا كثيرة ترغيبا للعباد وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم، فكل فعل عظمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله، أو أحبه أو أحب فاعله، أو رضي به أو رضي عن فاعله, أو وصفه بالاستقامة أو بالبركة أو الطيب، أو أقسم به أو بفاعله، أو نصبه سببا لذكره لعبده أو لمحبته أو للثواب عاجلا أو آجلا، أو لشكره له أو لهدايته إياه، أو لإرضاء فاعله أو لمغفرة ذنبه أو تكفير سيئاته، فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب, وكل فعل طلب الشارع تركه أو ذمه أو ذم فاعله أو عتب عليه أو مقت فاعله أو لعنه أو نفى محبته أو محبة فاعله أو الرضا به أو الرضا عن فاعله أو شبه فاعله بالبهائم والشياطين أو جعله مانعا من الهدى والقبول أو وصفه بسوء أو كراهة, أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه أو جعله سببا لنفي الفلاح أو لعذاب آجل أو عاجل أو لذم أو لوم أو ضلاله أو معصية, فهو دليل المنع من الفعل ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة) (¬٢).
ولما كان أمر الحكم بهذه المثابة اعتنى العلماء من بعدهم به وأولوه اهتماما وحرصا بالحديث عنه في ثنايا كتبهم أو بإفراد مؤلف خاص به.
ومن أمثلة هذه الكتب ما كتبه القفال الشاشي في كتابه (محاسن الشريعة في فروع الشافعية) (¬٣)
---------------
(¬١) عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، عز الدين الملقب بسلطان العلماء فقيه شافعي بلغ رتبة الاجتهاد, ولد ونشأ في دمشق وزار بغداد سنة ٥٩٩ هـ فأقام شهرا وعاد إلى دمشق، فتولى الخطابة والتدريس بزاوية الغزالي ثم الخطابة بالجامع الاموي, ولما سلم الصالح إسماعيل قلعة " صفد " للفرنج اختيارا أنكر عليه فغضب وحبسه ثم أطلقه فخرج إلى مصر فولاه صاحبها الصالح نجم الدين أيوب القضاء والخطابة ومكنه من الأمر والنهي, ثم اعتزل ولزم بيته. من كتبه التفسير الكبير و الإلمام في بيان أدلة الأحكام و قواعد الأحكام في إصلاح الأنام وغيرها توفي بالقاهرة سنة ٦٥٩ هـ (الأعلام ٤/ ٢١).
(¬٢) الإلمام في بيان أدلة الأحكام (ص ٧٩ - ٨٣) واختصره ابن القيم في بدائع الفوائد (٤/ ٦, ٧).
(¬٣) هو أبو بكر، محمد بن علي بن إسماعيل بن الشاشي الشافعي القفال الكبير، إمام وقته بما وراء النهر، وصاحب التصانيف, كان أعلم أهل ما وراء النهر بالأصول توفي عام ٣٦٥ هـ (سير أعلام النبلاء ١٦/ ٢٨٤) , ويوجد من كتابه هذا نسخة مخطوطة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية.

الصفحة 8