كتاب العاقبة في ذكر الموت

وَقَالَ لعتبة أَكثر ذكر الْمَوْت فَإِن كنت وَاسع الْعَيْش ضيقه عَلَيْك وَإِن كنت ضيق الْعَيْش وَسعه عَلَيْك
وَكَانَ يزِيد الرقاشِي يَقُول لنَفسِهِ وَيحك يَا يزِيد من ذَا الَّذِي يُصَلِّي عَنْك بعد الْمَوْت من ذَا الَّذِي يَصُوم عَنْك بعد الْمَوْت من ذَا الَّذِي يُرْضِي عَنْك رَبك بعد الْمَوْت
ثمَّ يَقُول أَيهَا النَّاس أَلا تَبْكُونَ وتنوحون على أَنفسكُم بَاقِي حَيَاتكُم وَيَا من الْمَوْت موعده والقبر بَيته وَالثَّرَى فرَاشه والدود أنيسه وَهُوَ مَعَ هَذَا ينْتَظر الْفَزع الْأَكْبَر كَيفَ يكون حَاله ثمَّ يبكي حَتَّى يسْقط مغشيا عَلَيْهِ
ويروى أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا ذكر عِنْده الْمَوْت وَالْقِيَامَة يقطر جسده دَمًا
وَعَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ إِذا ذكر عِنْده الْمَوْت وَالْقِيَامَة بَكَى حَتَّى تنخلع أوصاله فَإِذا ذكرت الرَّحْمَة رجعت
وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله يجمع الْفُقَهَاء فيتذاكرون الْمَوْت وَالْقِيَامَة وَالْآخِرَة فيبكون حَتَّى كَأَن بَين أَيْديهم جَنَازَة
وَأنْشد بَعضهم
يَا باكيا من خيفة الْمَوْت ... أصبت فارفع من مدى الصَّوْت
وناد يَا لهفي على فسحة ... فِي الْعُمر فَاتَت أَيّمَا فَوت
ضيعتها ظَالِم نَفسِي وَلم ... أصغ إِلَى موت وَلَا ميت
يَا ليتها عَادَتْ وهيهات أَن ... يعود مَا قد فَاتَ يَا لَيْت
فَخَل عَن هذي الْأَمَانِي ودع ... خوضك فِي هَات وَفِي هيت
وبادر الْأَمر فَمَا غَائِب ... أسْرع إتيانا من الْمَوْت
كم شائد بَيْتا ليغنى بِهِ ... مَاتَ وَلم يفرغ من الْبَيْت
وَأعلم أَن كَثْرَة الْمَوْت تردع عَن الْمعاصِي وتلين الْقلب القاسي وَتذهب الْفَرح بالدنيا وتهون المصائب فِيهَا وَإِن من لم يخفه فِي هَذِه الدَّار رُبمَا تمناه فِي

الصفحة 40