كتاب العاقبة في ذكر الموت

فِي بدني
فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيّ سُلَيْمَان أَو ألْقى فِي نَفسه أَن يفعل ذَلِك فَأمر الرّيح فَأَخَذته فألقته حَيْثُ أَرَادَ فَمَا اسْتَقر بِالْأَرْضِ حَتَّى نزل عَلَيْهِ ملك الْمَوْت فَقبض روحه ثمَّ رَجَعَ إِلَى سُلَيْمَان فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان رَأَيْتُك تديم النّظر إِلَى جليسي قَالَ نعم كنت أتعجب مِنْهُ لِأَنِّي أمرت بِقَبض روحه فِي أبعد بِلَاد الْهِنْد فِي سَاعَة قريبَة من الْوَقْت الَّذِي كَانَ عنْدك فَمَا هُوَ إِلَّا أَن خرجت قيل لي انْزِلْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بهَا فَنزلت عَلَيْهِ فَوَجَدته بهَا فقبضت روحه وَأنْشد بَعضهم
مَا أَنْت والرشأ الأحوى تغازله ... والركب تسْأَل عَنهُ بانة الواد
وَقد أظلك جَيش للردى لجب ... كالبحر يُوصل أمدادا بأمداد
من كل داهية لَو أَنَّهَا مثلت ... شخصا لأظلم مِنْهَا كل وقاد
لَا يمْنَع الْمَرْء مِنْهَا رَأس شاهقة ... وَلَا يرد شباها نسج زراد
وَأَنت غاد على ظهر الطَّرِيق وَمَا ... لديك من نَاصِر يُرْجَى وَلَا فاد
كأنني بك مصروعا لوطأته ... هَذَا أَو أَن مغار الْفَارِس الْعَاد
قُم قد أتيت وَلَا منجي وَلَا وزر ... للويل أَصبَحت من ركض وإنشاد
صَحَّ بالندى وبالقصر المشيد عَسى ... هَيْهَات هَيْهَات كَانَ الْقصر والناد
يَا رَاقِدًا وعيون الْمَوْت ساهرة ... لقد أعرت لأمر غير رقاد
وَأعلم أَن فِي النّظر إِلَى الْمَيِّت ومشاهدة حَاله وَسَكَرَاته ونزعاته وَتَأمل صورته بعد مماته مَا يقطع عَن النُّفُوس لذاتها ويطرد عَن الْقُلُوب مسراتها وَيمْنَع الأجفان من النّوم والأبدان من الرَّاحَة وَيبْعَث على الْعَمَل وَيزِيد فِي الِاجْتِهَاد والتعب
يرْوى أَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله دخل على مَرِيض يعودهُ فَوَجَدَهُ فِي سَكَرَات الْمَوْت فَنظر إِلَى كربه وعلته وَشدَّة مَا نزل بِهِ فَرجع إِلَى أَهله بِغَيْر اللَّوْن الَّذِي خرج بِهِ من عِنْدهم فَقَالُوا لَهُ الطَّعَام يَرْحَمك الله أتأكل فَقَالَ

الصفحة 42