كتاب العاقبة في ذكر الموت

يَا أهلاه عَلَيْكُم بطعامكم وشرابكم فوَاللَّه لقد رَأَيْت مصرعا لَا أَزَال أعمل لَهُ حَتَّى أَلْقَاهُ
وَقَالَ بعض الْعلمَاء أَي عَيْش يطيب وَلَيْسَ للْمَوْت طَبِيب
وَقَالَ بعد الزهاد لنا من كل ميت عظة بِحَالهِ وعبرة بِمَالِه
وَقَالَ ابْن مَسْعُود كفى بِالْمَوْتِ واعظا وباليقين غنى وبالعبادة شغلا
وَاعْلَم أَن الْمَوْت وَإِن كَانَ هُوَ الْمُصِيبَة الْعُظْمَى والرزية الْكُبْرَى فأعظم مِنْهُ الْغَفْلَة عَنهُ والإعراض عَن ذكره وَقلة التفكر فِيهِ وَترك الْعَمَل لَهُ وَإِن فِيهِ وَحده لعبرة لمن اعْتبر وفكرة لمن تفكر
وَفِي خبر مَرْوِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن الْبَهَائِم تعلم من الْمَوْت مَا تعلمُونَ مَا أكلْتُم مِنْهَا سمينا
ويروى أَن رجلا من الْأَغْنِيَاء نزل بِهِ دَاء فِي وَجهه فعجز أطباء بِلَاده عَن معالجته وَلم يَجدوا سَبِيلا إِلَى شفائه فَخرج يضْرب فِي الأَرْض ويخترق الْبِلَاد وَيطْلب علاجا لدائه وفرجا لبلائه فَدلَّ على طَبِيب حاذق بِبِلَاد الْهِنْد فَقطع إِلَيْهَا المفاوز الْبَعِيدَة وَركب إِلَيْهِ الْبحار الخطرة واللجج الهائلة حَتَّى وصل إِلَيْهِ بَعْدَمَا كَاد أَن يهْلك فَدخل عَلَيْهِ فَوجدَ رجلا ملقى على فرَاشه جلده على عظم فَسلم عَلَيْهِ فَأحْسن الرَّد وَأظْهر الْبشر وَسَأَلَهُ عَن حَاله وَمن أَي الْبِلَاد هُوَ وَمَا الَّذِي جَاءَ بِهِ فَأخْبرهُ خَبره وَأَنه إِنَّمَا جَاءَ يلْتَمس معالجة دائه فَقَالَ لَهُ كم مَعَك من المَال وَمَا جِئْت بِهِ من البضاعة فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ أَخذ مِنْك نصف مَا مَعَك وأعالجك حَتَّى تستريح فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَدفع إِلَيْهِ نصف مَا عِنْده فعالجه ولاطفه حَتَّى ذهب عَنهُ الْأَلَم وَجَمِيع مَا كَانَ بِوَجْهِهِ وَلم يبْق بِهِ شَيْء إِلَّا أَن مَوضِع الدَّاء بَقِي أسود دون ألم يجده فِيهِ فَقَالَ لَهُ لقد بَرِيء داؤك وَذَهَبت علتك وَقد اسْتَوْجَبت مَا أَخَذته مِنْك فَقَالَ لَهُ أَيهَا الْفَاضِل أَو مَا ترى الْموضع قد بَقِي أسود مُخَالفا لَونه لوني وَكَيف يكون هَذَا الْبُرْء وَكَيف تكون هَذِه الصِّحَّة وَكَيف تستوجب مَا أَخَذته مني

الصفحة 43