كتاب العاقبة في ذكر الموت

فَقَالَ لَهُ لم أشارطك على نقاء اللَّوْن وَبَيَاض الْبشرَة وَإِنَّمَا شارطتك على ذهَاب الْأَلَم وحسم الدَّاء وَلست أنظر لَك فِيمَا تريده من إِزَالَة هَذَا السوَاد إِلَّا بِأَن تدفع إِلَيّ النّصْف الثَّانِي من مَالك
فَقَالَ لَهُ أَيهَا الْفَاضِل أَنا رجل غَرِيب بعيد الدَّار ناء عَن الْأَهْل وَإِذا دفعت لَك النّصْف الثَّانِي بقيت مُنْقَطِعًا بِي عَن أَهلِي ووطني فَقِيرا بِأَرْض غربَة عَالَة على من لَا يعرفنِي
فَقَالَ لَهُ لَا بُد لَك من أَن تُعْطِينِي مَا قلت لَك وَإِلَّا لم أنظر لَك فِي شَيْء مِمَّا تُرِيدُ
فَلَمَّا رأى الرجل أَنه لَا يجِيبه إِلَى معالجته وَالنَّظَر فِي أمره حَتَّى يُعْطِيهِ مَا سَأَلَ أَجَابَهُ إِلَى مَا أَرَادَ وَدفع إِلَيْهِ النّصْف الثَّانِي فعالجه حَتَّى ذهب عَنهُ سوَاده
فَلَمَّا بَرِيء قَالَ لَهُ أُبْقِي لَك شَيْء فَقَالَ لَا قَالَ فاستوجبت مَا أَخَذته مِنْك قَالَ نعم
فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا إِنِّي لم آخذ مَالك رَغْبَة فِيهِ وَلَا لأستأثر بِهِ دُونك وَلَكِن أردْت أَن أَدْرِي مِقْدَار نَفسك عنْدك وَأيهمَا أحب إِلَيْك المَال أم هِيَ فقد رَأَيْت وَهَذَا مَالك كُله مَرْدُود عَلَيْك لَا وَالله لَا آخذ مِنْهُ درهما وَاحِدًا فَرده عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ مَا نحلتكم الَّتِي تنتحلون وَمَا شريعتكم الَّتِي بهَا تتشرعون فَقَالَ لَهُ نَحن مُسلمُونَ فَقَالَ وَمَا مُسلمُونَ فَقَالَ نَحن أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَمَا مُحَمَّد قَالَ رجل من الْعَرَب ثمَّ من قُرَيْش بَعثه الله تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولا وَاخْتَارَهُ صفيا أَمينا فَبلغ الرسَالَة وَأدّى الْأَمَانَة وَذكر لنا أَن بَين أَيْدِينَا يَوْمًا يبْعَث فِيهِ الْأَمْوَات ويجازي فِيهِ بالسيئات والحسنات
فَقَالَ لَهُ وَكَيف انتم فِي اتِّبَاعه قَالَ إِنَّا لنسلك فِي غير هَدْيه ونترك كثيرا من أمره
قَالَ وَالله يَا هَذَا مَا أَقُول بِمَا تَقولُونَ وَمَا ردني كَمَا ترى جلدَة على عظم إِلَّا الفكرة فِي الْمَوْت خَاصَّة وَفِيمَا هُوَ فَكيف لَو قلت بِمَا تَقولُونَ مِمَّا بعد الْمَوْت من

الصفحة 44