كتاب العاقبة في ذكر الموت

الْحساب وَالْعِقَاب وَالْجَزَاء وَالثَّوَاب مَا رَأَيْت أقل عقولا مِنْكُم
ثمَّ دفع إِلَيْهِ مَاله وَانْصَرف
حَدثنِي بِهَذِهِ الْحِكَايَة أَبُو عَمْرو الشريف رَحمَه الله تَعَالَى
وَهَذَا الْكَلَام الْأَخير مِنْهَا فِي ذكر الْمَوْت وَغَيره شَككت هَل ذكره فِي الْحِكَايَة أم لَا وَلَكِنِّي قد سمعته من غَيره
ويروى أَن أَعْرَابِيًا كَانَ يسير على جمل لَهُ فَخر الْجمل مَيتا فَنزل الْأَعرَابِي عَنهُ وَجعل يطوف بِهِ ويتفكر فِيهِ وَيَقُول
مَا لَك لَا تقوم مَالك لَا تنبعث هَذِه أعضاؤك كَامِلَة وجوارحك سَالِمَة مَا شَأْنك مَا الَّذِي كَانَ يحملك مَا الَّذِي كَانَ يَبْعَثك مَا الَّذِي صرعك مَا الَّذِي عَن الْحَرَكَة مَنعك ثمَّ تَركه وَانْصَرف متفكرا فِي شَأْنه مُتَعَجِّبا من أمره
وأنشدوا فِي هَذَا الْمَعْنى
ومجرر خطية يَوْم الوغى ... منسابة من خَلفه كالأرقم
تتضاءل الْأَبْطَال سَاعَة ذكره ... وتبيت مِنْهُ فِي إباءة ضيغم
شرس المقادة لَا يزَال ربيئة ... فَمَتَى يحس بِنَار حَرْب يقدم
تقع الفريسة مِنْهُ فِي فوهاء إِن ... يطْرَح بهَا صم الْحِجَارَة يحطم
ظمآن للدم لَا يقوم بريه ... إِلَّا المروق فِي الجسوم من الدَّم
جَاءَتْهُ من قبل الْمنون إِشَارَة ... فهوى صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ
وَرمى بمحكم درعه وبرمحه ... وامتد ملقى كالفنيق الْأَعْظَم
لَا يستجيب لصارخ إِن يَدعه ... أبدا وَلَا يُرْجَى لخطب مُعظم
ذهبت بسالته وَمر غرامه ... لما رأى خيل الْمنية ترتم
يَا ويحه من فَارس مَا باله ... ذهبت فروسته وَلما يكلم

الصفحة 45