كتاب العاقبة في ذكر الموت

الْغَيْن
وَإِن لم يقدر على تفريغه بِمرَّة فرغ مِنْهُ مَا أمكن وَجعل مَكَان مَا أزاله ضِدّه فَيجْعَل مَكَان الْغَفْلَة ذكرا وَكَانَ الْفَرح حزنا وَمَكَان الِاغْتِبَاط ندما وَمَكَان السَّهْو تيقظا وَلَا يزَال هَكَذَا يزِيل شَيْئا وَيجْعَل مَكَانَهُ ضِدّه ويستعين بِجعْل هَذَا على إِزَالَة هَذَا وبإزالة هَذَا على جعل هَذَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى يستعان على كل مَا يحاول وبمنه وتيسيره سُبْحَانَهُ يتَنَاوَل كل مَا يتَنَاوَل لَا رب غَيره وَلَا معبود سواهُ
وَاعْلَم رَحِمك الله أَن مِمَّا يعينك على الفكرة فِي الْمَوْت ويفرغك لَهُ وَيكثر اشتغالك بِهِ تذكر من مضى من إخوانك وخلانك وَأَصْحَابك واقرانك الَّذين مضوا قبلك وتقدموا أمامك كَانُوا يحرصون حرصك ويسعون سعيك ويأملون أملك ويعملون فِي هَذِه الدُّنْيَا عَمَلك وقصت الْمنون أَعْنَاقهم وقلعت أعراقهم وقصمت أصلابهم وفجعت فيهم أَهْليهمْ وأحباءهم فَأَصْبحُوا آيَة للمتوسمين وعبرة للمعتبرين
ويروى عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا هُرَيْرَة أَلا أريك الدُّنْيَا جَمْعَاء قلت بلَى يَا رَسُول الله قَالَ فَأخذ بيَدي وَأتي بِي وَاديا من أَوديَة الْمَدِينَة فَإِذا مزبلة فِيهَا رُؤُوس وَعِظَام وخرق بالية وعذرات فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة هَذِه الرؤوس كَانَت تحرص كحرصكم وَتَأمل كأملكم ثمَّ هِيَ الْيَوْم عِظَام لَا جلد عَلَيْهَا ثمَّ هِيَ صائرة رَمَادا وَهَذِه العذرات ألوان أطعمتهم اكتسبوها من حَيْثُ اكتسبوها ثمَّ قذفوها من بطونهم فَأَصْبَحت وَالنَّاس يتحامونها وَهَذِه الْخرق البالية كَانَت رياشهم فَأَصْبَحت والرياح تصفقها وَهَذِه الْعِظَام عِظَام دوابهم الَّتِي كَانُوا ينتجعون عَلَيْهَا أَطْرَاف الْبِلَاد فَمن كَانَ باكيا على الدُّنْيَا فليبك قَالَ فَمَا برحنا حَتَّى اشْتَدَّ بكاؤنا

الصفحة 50