كتاب العاقبة في ذكر الموت

أَتَى بسهل من الْأَلْفَاظ مُمْتَنع ... جزل يُصِيب الْمعَانِي آيَة عجبا
فَلَو تميع أضحى مشربا سلسا ... وَلَو تجسد أضحى خَالِصا ذَهَبا
رمته هذي المنايا وَهِي صائبه ... سَهْما فَمَا هُوَ إِلَّا أَن رمته كبا
فأخرسته فَمَا يُبْدِي بِضَاحِكَةٍ ... وَلَا يرد جَوَابا هان أَو صعبا
وَبَات مطرحا فِي قَعْر موحشة ... غبراء مصطفق الأحشاء مستلبا
أعْطى يَدَيْهِ لدنياه بِمَا طلبت ... إِذْ أدْرك الدُّود من جَنْبَيْهِ مَا طلبا
وَكم هُنَاكُم من مسعر حَرْب قد لبس أَوزَارهَا وأضرم نارها وأوصل إِلَى الْقُلُوب أوراها وَأقَام سوقها وَرفع غبارها
كم أغار من غَارة شعواء وفتك من فتكة شنعاء وأثار من فتْنَة عمياء وصال بجنان وَطعن بسنان وركض بحصان وَلعب بفرسان وفرسان وَقَالَ خُذْهَا وَأَنا فلَان بن فلَان
هَا هُوَ الْيَوْم قد بل جنانه وتكسر سنانه وأكب بِهِ حصانه لأمه الويل وحسرة سَوْدَاء مثل اللَّيْل
وأنشدوا
ومقدام على الْأَهْوَال صدق ... لَدَى الفتكات وَالْأَمر الْكَبِير
تبيت لذكره الْأَبْطَال سكرى ... وتضحي مِنْهُ ضيقَة الصُّدُور
يرض فرائص الفرسان رضَا ... ويحطمهن كالأسد الهصور
طموح السَّيْف لَا يثنيه شَيْء ... جهول بالبشير وبالنذير
أَشَارَ الْمَوْت من بعد إِلَيْهِ ... فَخر موسدا إِحْدَى الصخور
وكب حصانه ونبا شباه ... وأعلن نادبوه بالثبور
وأنسى أَن يُقيم لِوَاء روع ... بروعات أَتَتْهُ من الْقُبُور
وَأَن أَنْت أطلت اعتبارك وأمعنت استبصارك فكم بهَا من غادة قد هضم

الصفحة 56