كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)
{مَا بَالُ} وما شأن، سؤال عن حال وأمر تقديره: ما بالهن إذ قطعن أيديهن.
{إِذْ رَاوَدْتُنَّ} أسند إليهن قبل اعترافهن لأنهن كن قد تعاون وتظاهرن (¬1) في المراودة، ولذلك اختار السجن، وكان الأمر قد فشا في البلد واستفاض ولكن لا يعلمون هل مال إليهن يوسف أم لا؟ وهل أطاع بعضهن أم لا؟ فكان السؤال لاستبانة هذا المستتر فبرأنه و {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} و {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} ظهر وتبين الحق أي (¬2) حقيقة الأمر.
{ذَلِكَ} أي توقفي في السجن ومطالبتي بالسؤال إنما كان {لِيَعْلَمَ} الملك {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} بتحريف (¬3) الغيب الذي أوحاه الله إليّ في تأويل رؤياه كما لم أخن العزيز، أو ليعلم العزيز أني لم أخنه في امرأته في ظهر الغيب (¬4)، وقيل: إنه من كلام المرأة، أي أعترف (¬5) بالمراودة ليعلم يوسف أني لم أخنه بظهر الغيب في الافتراء عليه، إلا أنه يشكل بقوله: {وَأَنَّ اللَّهَ} بفتح الهمزة فإنه معطوف على المعلوم الأول وذلك لا يكون إلا من يوسف.
¬__________
(¬1) في الأصل و"أ": (ويظاهرن).
(¬2) (أي) من الأصل و"أ".
(¬3) في "ب" كتبت كلمة غريبة.
(¬4) يجوز أن يكون القائل هو يوسف وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك، وجائز أن تحكى عن شحص شيئًا ثم تصله بالحكاية عن آخر، ونظير هذا قوله تعالى: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} [الأعرَاف: 110] هذا قول الملأ ثم قال: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110] قول فرعون. ومنه أيضًا قوله تعالى: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} [النمل: 34] هذا قول بلقيس، ثم قال {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34] هو من قول الله تعالى. ومنه أيضًا: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52] هذا قول الكفار، ثم قال: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [يس: 52] هو من قول الملائكة. لذا فإن قوله: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} [يُوسُف: 51] هو من قول امرأة العزيز، ثم قال تعالى بعده: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يُوسُف: 52] وهو من قول يوسف.
(¬5) في "ب" "ي": (اعتراف).