كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)

{يَا أَسَفَى} تأسف {عَلَى يُوسُفَ} والتأسف التلهف (¬1)؛ لأن المحن توالت بعد غيبته فتأسف على حالة وجوده وحضوره عنده، {تَفْتَأُ} لا تفتؤ، أي لا تزال، وحذف (لا) مع الأيمان جائز (¬2)، {حَرَضًا} والحرض الحزن وفساد الجسم بشيء (¬3).
(البث) أشد الحزن (¬4) و {إِنَّمَا} جمع (¬5) للتأكيد، {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ} من لطفه وصنعه.
{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا} كان يعقوب -عليه السلام- غير شاكِّ في يوسف أنه لم يأكله الذئب، ولم يقتله (¬6) إخوته، ولم يقبضه ملك الموت بعلمه بأن الله
¬__________
(¬1) التأسف هو الحزن، فالمعنى: يا حزنًا على يوسف، روي ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ومجاهد وقتادة والضحاك. أخرجه عنهم الطبري في تفسيره (13/ 294).
(¬2) قوله: "تفتأ" هو جواب القسم في قوله: "تالله" وهو على حذف "لا" ويدل على حذفها أنه لو كان مثبتًا لاقترن بلام الابتداء ونون التوكيد معًا عند البصريين، أو أحدهما عند الكوفيين. وهي ناقصة بمعنى - لا تزال- فترفع الاسم وهو الضمير، وتنصب الخبر وهو الجملة من قوله: "تذكر".
وسقوط (لا) منها ومن غيرها معروف في كلام العرب، تقول العرب: والله أقصدك أبدًا: أي لا أقصدك، ومنه قول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرحُ قاعدًا ... ولو قَطَّعوا رأسي لديْكِ وأوصالي
[الكشاف (2/ 339)، البحر (5/ 326)، المحرر (9/ 360)، الدر المصون (6/ 546)].
(¬3) روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن "الحرض" هو الذاهب عقله، الدنف الجسم الذي بلغ به المرض جهدًا. وقال أبو عبيدة: هو الذي أذابه الحزن -أي أذاب عقله وجسمه- وقال الزجاج: الحرض هو الفاسد في جسمه، وكذا قال الفراء.
[تفسير الطبري (13/ 303)، زاد المسير (2/ 464)، معاني القرآن للفراء (2/ 54)،
معاني القرآن للزجاج (3/ 126)].
(¬4) قاله ابن قتيبة، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "بثي" هَمِّي. تقول: بثثته أي فرقته، ومنه قول ذي الرمة:
وقفت على رَبْعٍ لميَّةَ ناقتي ... فما زِلتُ أبكي عنده وأُخاطِبهْ
وأسقيه حتى كاد مما أبثهُ ... تُكَلِّمُنِي أحجاره وَمَلاعِبُهْ
[تفسير القرطبي (9/ 251)، زاد المسير (2/ 465)].
(¬5) في "ب" "ي": (بشيء) وهو خطأ.
(¬6) في الأصل "ب": (يقتله).

الصفحة 1013