كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)

ويحتمل معنى الأمر بالسكوت على سبيل الإشارة، ويحتمل معنى الامتناع عن الإقرار (¬1) على سبيل التشبيه، أي كأنهم (¬2) أخذوا على أفواههم متناكبين عن الإيمان والإقرار (¬3)، ويحتمل منعهم الرسل عن النطق على سبيل التشبيه، فكأنهم وضعوا أيديهم على أفواه الرسل وأسكتوهم، ويحتمل معنى ردهم الشيء القريب.
{مِنْ ذُنُوبِكُمْ} أي شيئًا أو كثيرًا أو الكل من ذنوبكم (¬4)، {وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: صرف العذاب العاجل عنهم وتعميرهم إلى الموت المعهود، {بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} آية ملجئة التي توجب (¬5) العلم مشاهدة.
{إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} سلموا للإنصاف في الجدال بما استدركوا الغلط في سائر دعاويهم بإثبات المشيئة لله في تفضيل بعض البشر على بعض بالخصال الحميدة، لإفحامهم في الجدال لعجزهم عن إنكار المشاهدة.
{خَافَ مَقَامِي} أي مقامه بين يدي يوم العرض الأكبر، ولقد صدق وعده لرسله، وللخائفين مقامه، والخائفين وعيده أولياء رسول الله والخلفاء والأئمة.
{وَاسْتَفْتَحُوا} أي الأنبياء -عليهم السلام- (¬6) كقوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا} [الأعراف: 89]، وقوله: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214]، وقول موسى: {رَبَّنَا
¬__________
(¬1) في الأصل و"أ": (الأفراد).
(¬2) في "ب": (فكأنهم).
(¬3) في الأصل و"أ": (الأفراد).
(¬4) قال أبو عبيدة: "من" زائدة كقوله تعالى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} [الحَاقَّة: 47] ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
جَزَيْتُك ضِعْفَ الحُبِّ لما شكوتِهِ ... وما إن جزاكِ الضِّعْفَ من أَحَدٍ قبلي
[زاد المسير (2/ 507)].
(¬5) في الأصل: (بوبت).
(¬6) قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، رواه الطبري في تفسيره (13/ 616 - 617)، وعبد الرزاق في تفسيره (1/ 341)، واستفتاحهم هو استنصارهم على قومهم في دعوتهم إلى الحق.

الصفحة 1035