كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)
ويرمي به، فما جاؤوا به على وجهه فهو الحقّ، ولكنهم يرمون فيه ويزيدون" (¬1). وعن نافع بن جبير ومحمد بن كعب: أمسكت في أيام الفترة، فلما بُعِث نبيّنا عاد الأمر كهيئته (¬2)، وقيل: لم تكن النجوم رميت قطّ حتى بُعِث نبيّنا -عليه السلام- (¬3).
{اسْتَرَقَ} افتعال من السرقة {شِهَابٌ} شُعْلَة وقبس {مَدَدْنَاهَا} فرشناها بكليتها على وجه الأرض، وقيل: أراد به ضُرِّسَ أبعاضها إلا مكان التقليب فيها، وهي بكليتها كرة مضرّسة يعلو الماء بعضها ويعلو بعضها الماء لإمكان الحرث والنّسل.
{وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} تدلّ أن الجبال ثابتة ملتصقة بالأرض غير ثابتة متعلقة عنها، فكانت الرّياح إذا اضطربت اضطرابًا عنيفًا بإفراط ضغط من الفلك عند ابتداء دورة، فأثارت هذه الرياح المضطربة الأرض إثارة قريات (¬4) لوط، فتحجّرت أجزاؤها المماسة للنار العلوية بالنفخ، ثم
¬__________
(¬1) رواه مسلم (91)، وأحمد في مسنده (1882).
(¬2) ذكر القرطبي (19/ 14) عن نافع بن جبير وأبيّ بن كعب، كما أورده الشوكاني في "فتح القدير" (5/ 438) عن نافع.
(¬3) يدلّ على ذلك - أي على أنها لم ترم حتى بعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب"، أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 210)، ومسلم (1/ 331)، والترمذي (2/ 167) وغيرهم. قال ابن الجوزي: وظاهر هذا الحديث أنها لم تكن قبل ذلك. وقال الزجاج: ويدلّ على أنها إنما كانت بعد مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن شعراء العرب الذين يمثلون بالبرق والأشياء المسرعة، لم يوجد في أشعارها ذكر الكواكب المُنْقَضَّة، فلما حدثت بعد مولد نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - استعملت الشعراء ذكرها، فقال ذو الرمَّة:
كَأَنَّة كَوْكَبٌ في إثْرِ عِفْرِيَةٍ ... مسَوَّمٍ في سوادِ الليلِ مُنْقَضِبُ
[زاد المسير (4/ 388)، ديوان ذي الرمّة (ص 36)، مجاز القرآن (2/ 95)].
(¬4) جمع المؤلف - قرية- على قريات غير فصيح فيما يظهر وعلى غير القياس، والأفصح أن تجمع على قُرَى مع أنه على غير قياس. قال بعضهم: لأن ما كان على فعلة من المعتل فبابه أن يْجمع على فِعال بالكسر، مثل: ظِبية وظِباء وركوة ورِكاء.
[المصباح المنير (2/ 159)].