كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)

{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} شهادة أن لا إله إلَّا الله {وَالْإِحْسَانِ} القيام بالفرائض {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} صلتهم {عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ما لا يعرف في شريعة ولا سنة، وقيل: ما وعد الله عليه النار {وَالْبَغْيِ} الاستطالة توكيدها تشديدها وتوثيقها.
{كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} أي كامرأة تنقض غزلها، ومن شرط الأمثال التصور دون الوجود، وزعم الكلبي أنها امرأة قرشية حمقاء كانت في قديم الدهر تسمى ريطة (¬1) وتلقب جعراء، كانت تغزل بمغزل مثل غلظ الذراع والصدارة مثل الإصبع وفلكة عظيمة فأبرمته وأمرت جاريتها فنقضته {أَنْكَاثًا} فنهى الله هذه الأمة أن تكون مثلها، والأنكاث جمع نكث (¬2) {دَخَلًا} دَغْلًا ومكرًا وخديعة (¬3) {أَنْ تَكُونَ} أو بأن تكون أو كراهة أن تكون قبيلة أكثر عَددًا أو عِددًا من قبيلة. قال ابن عباس: كان بين كندة وبين مراد (¬4) قتال حتى كلّ الظهر، ثم تواعدوا ستة أشهر حتى يصلح الظهر وتجم الخيل، فلما مضت خمسة أشهر أمر قيس بن معدي كرب قومه بالتوجه إليهم فقالوا: قد بقي من الأجل شهر، فمكث حتى علم أنه بايتهم بعد انقضاء الأجل ثم سار إليهم فإذا هو يوم انقضاء الأجل فقتلوه
¬__________
(¬1) سماها القرطبي (10/ 153) (ريطة بنت عمرو بن كعب)، وانظر كذلك زاد المسير (4/ 485).
(¬2) ومعناه: أنقاض، قال ابن قتية: الأنكاث: ما نقض من غزل الشعر وغيره. ومعنى الآية: لا تؤكدوا على أنفسكم الأيمان والعهود ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا فيه فتكون كامرأةٍ غزلت ونسجت ثم نقضت ذلك النسج. ذكر هذا المعنى ابن الجوزي في تفسيره.
[زاد المسير (2/ 580)].
(¬3) [قاله ابن الجوزي. زاد المسير (2/ 580)].
(¬4) لم نجد هذا عن ابن عباس، والذي ورد عنه في هذه الآية أنه قال: ناس أكثر من ناس. أخرجه الطبري وابن أبي حاتم، وهو ما ذكره اللغويون في معنى "أربى" ومنه سمي الربا؛ لأن فيه معنى الزيادة، ومنه قول الشاعر وينسب إلى حاتم الطائي:
وأسْمَرَ خَطِّيُّ كأنَّ كعوبه ... نوى القَسْبِ قد أَرْبَى ذراعًا على العَشْرِ
[تفسير الطبري (14/ 345)، تفسير ابن أبي حاتم (7/ 2300)، ديوان حاتم (ص 253)].

الصفحة 1079