كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الحكمة (اسم الجزء: 3)
{إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ} قال ابن عباس (¬1): أمرهم موسى -عليه السلام- بيوم الجمعة فقال يفرغون إلى الله في كل سبعة أيام يومًا واحدًا، فاعبدوه في يوم الجمعة ولا تعملوا فيه شيئًا من صنيعكم وستة أيام بصناعتكم، فأبوا أن يقبلوا ذلك وقالوا: لا ينبغي إلا اليوم الذي فرغ فيه من الخلق يوم السبت، فجعل ذلك عليهم وشدد عليهم، ثم جاءهم عيسى ابن مريم -عليه السلام- بالجمعة بعده فقالوا: لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا يعنون به اليهود، فاتخذوا اليهود بقول الله: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ} وقيل: الضمير عائد إلى إبراهيم -عليه السلام- (¬2) {اخْتَلَفُوا} أنه كان يهوديًا أو نصرانيًا.
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} الآية منسوخة بآية السيف وليس فيها ما يوجب كونها منسوخة (¬3).
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} عن أبي بن كعب: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلًا ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم مثل هذا لنربينَّ عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} الآية فقال رجل: لا قريش بعد اليوم، فقال -عليه السلام-: "كفوا عن القوم إلا أربعة" (¬4).
¬__________
(¬1) عزاه لابن عباس من طريق أبي صالح ابن الجوزي في زاد المسير (4/ 505).
(¬2) لا وجه في عود الضمير إلى إبراهيم -عليه السلام- في قوله: "اختلفوا فيه"، وعامة المفسرين على أن الضمير عائد إلى السبت الذي اختلفت فيه اليهود مع موسى -عليه السلام-.
انظر: [تفسير الطبري (14/ 399)، زاد المسير (2/ 592)، معاني القرآن للفراء (2/ 114)، ابن كثير (2/ 730)].
(¬3) ذكر ابن كثير وابن الجوزي والقرطبي وغيرهم أنها منسوخة بآية السيف لكن فصل القرطبي تفصيلًا جيدًا فقال: هي محكمة في جهة العصاة من الموحدين ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين، وقد قيل: إن من أمكنت معه هذه الأحوال من الكفار ورجي إيمانه بها دون قتال فهي فيه محكمة.
[تفسير القرطبي (10/ 200)، زاد المسير (2/ 593)، تفسير ابن كثير (2/ 731)].
(¬4) الترمذي (3129)، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد (5/ 135)، والنسائي في الكبرى (11269)، وابن حبان (487)، والطبراني في الكبير (2937)، والحاكم (2/ 358 , 359)، والبيهقي في الدلائل (3/ 289) والحديث حسن.